للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علينا أرسل الله علينا

وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} ١.

النوم. فما منا رجل إلا ذقنه في صدره، قال: فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا. فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل الله عز وجل: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} لقول معتب " ٢. رواه ابن أبي حاتم.

قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} ٣ أي هذا قدر مقدّر من الله عز وجل، وحكم حتم لازم لا محيد عنه ولا مناص منه.

وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} الآية.

قال العماد ابن كثير: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} : أي لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل. قال الله تعالى: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ٤ أي إذا كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت، فينبغي لكم أن لا تموتوا، والموت لا بد آت إليكم، ولو كنتم في بروج مشيدة، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. قال مجاهد عن جابر بن عبد الله: "نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ وأصحابه" يعني أنه هو الذي قال ذلك. وأخرج البيهقي عن أنس أن أبا طلحة قال: " غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل يسقط سيفي وآخذه ويسقط وآخذه. قال: والطائفة الأخرى - المنافقون- ليس لها هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه، وأخذله للحق، {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} إنما هم أهل ريب وشك بالله عز وجل ".

قوله: {قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} يعني لا يغشاهم النعاس عن القلق والجزع والخوف {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} ٥.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: " لما ذكر ما وقع من عبد الله بن أبيّ في غزوة أحد قال: فلما انخذل يوم أحد وقال: "يدع رأيي ورأيه ويأخذ برأي الصبيان؟ " أو كما قال.. انخذل معه خلق كثير، كان كثير منهم لم ينافق قبل ذلك. فأولئك كانوا مسلمين وكان معهم إيمان، هو الضوء الذي ضرب الله به المثل. فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق لماتوا على الإسلام، ولم يكونوا من المؤمنين حقا الذين امتحنوا فثبتوا على المحنة، ولا من المنافقين حقا الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة. وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا أو أكثرهم، إذا ابتلوا بالمحنة التي


١ سورة آل عمران آية: ١٦٨.
٢ حسن: رواه ابن إسحاق كما قال ابن كثير في تفسيره (١/ ٤١٨) . وابن جرير (٤/ ٩٤) عن الزبير بسند حسن: وانظر النهج السديد (٥٣٢) .
٣ سورة آل عمران آية: ١٥٤.
٤ سورة آل عمران آية: ١٦٨.
٥ سورة آل عمران آية: ١٥٤.

<<  <   >  >>