للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ظن به أنه ليس فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، وأن نسبة ذاته إلى عرشه كنسبتها إلى أسفل سافلين; وإلى الأمكنة التي يرغب عن ذكرها، وأنه أسفل كما أنه أعلى، وأن من قال: سبحان ربي الأسفل كان كمن قال: سبحان ربي الأعلى، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه.

الثالثة: الإخبار بأن ذلك أنواع لا تحصر.

الرابعة: أنه لا يسلم من ذلك إلا من عرف الأسماء والصفات وعرف نفسه.

ومن ظن أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان، ويحب الفساد كما يحب الإيمان والبر والطاعة والإصلاح، فقد ظن به السوء. ومن ظن به أنه لا يحب ولا يرضى، ولا يغضب ولا يسخط، ولا يوالي ولا يعادي، ولا يقرب من أحد من خلقه، ولا يقرب منه أحد، وأن ذوات الشياطين في القرب من ذاته كذوات الملائكة المقربين وأوليائه المفلحين، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن به أنه يسوي بين المتضادين، أو يفرق بين المتساويين من كل وجه، أو يحبط طاعات العمر المديد الخالصة الصواب بكبيرة واحدة تكون بعدها، فيخلد فاعل تلك الطاعات في الجحيم أبد الآبدين بتلك الكبيرة، ويحبط بها جميع طاعاته ويخلده في العذاب كما يخلد من لم يؤمن به طرفة عين، واستنفد ساعات عمره في مساخطة ومعاداة رسله ودينه، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن به أن له ولدا أو شريكا، أو أن أحدا يشفع عنده بدون إذنه، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه، وأنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه، ويتوصلون بهم إليه، ويجعلونهم وسائط بينه وبينهم، فيدعونهم ويخافونهم ويرجونهم فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه.

ومن ظن به أنه ينال ما عنده بمعصيته ومخالفته، كما يناله بطاعته والتقرب إليه، فقد ظن به خلاف حكمته، وخلاف موجب أسمائه وصفاته، وهو من ظن السوء. ومن ظن به أنه إذا ترك شيئا من أجله لم يعوضه خيرا منه، أو من فعل شيئا لأجله لم يعطه أفضل منه، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن به أنه يغضب على عبده ويعاقبه ويحرمه بغير جرم، ولا سبب من العبد إلا بمجرد المشيئة ومحض الإرادة، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة، وتضرع إليه وسأله واستعان به، وتوكل عليه أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله، فقد ظن به ظن السوء، وظن به خلاف ما هو أهله.

ومن ظن أنه يثيبه إذا عصاه كما يثيبه إذا أطاعه، وسأله ذلك في دعائه، فقد ظن به خلاف ما تقتضيه حكمته وحمده، وخلاف ما هو أهله وما لا يفعله.

<<  <   >  >>