للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر وجوب الهجرة إلى المدينة على كل من دخل في الإسلام، وهذا يدل على أن الهجرة واجبة على كل من آمن من أهل مكة وغيرهم ١.

قوله: "فإن أبوا أن يتحولوا" يعني أن من أسلم ولم يهاجر ولم يجاهد لا يُعطى من الخمس ولا من الفيء شيئا. وقد أخذ الشافعي -رحمه الله- بالحديث في الأعراب، فلم ير لهم من الفيء شيئا، وإنما لهم الصدقة المأخوذة من أغنيائهم فترد على فقرائهم، كما أن أهل الجهاد وأجناد المسلمين لا حق لهم في الصدقة عنده; ومصرف كل مال في أهله. وسوّى مالك -رحمه الله- وأبو حنيفة -رحمه الله- بين المالين، وجوّزا صرفهما للضعيف.

قوله: " فإن هم أبوا فاسألهم الجزية ". فيه حجة لمالك وأصحابه والأوزاعي في أخذ الجزية من كل كافر: عربيا كان أو غيره; كتابيا كان أو غيره. وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنها تؤخذ من الجميع إلا من مشركي العرب ومجوسهم. وقال الشافعي: لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما. وهو قول الإمام أحمد في ظاهر مذهبه، وتؤخذ من المجوس. قلت: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها منهم. وقال: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ٢.

وقد اختلفوا في القدر المفروض من الجزية: فقال مالك: أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهما على أهل الورق، وهل ينقص منها الضعيف أو لا؟ قولان. قال الشافعي: فيه دينار على الغني والفقير. وقال أبو حنيفة -رحمه الله- والكوفيون: على الغني ثمانية وأربعون


١ في قرة العيون: وكذلك إذا ظهرت المعاصي في بلدة. نص عليه الفقهاء في كتبهم اهـ. يعني إذا غلبت المعاصي وأهلها ولم يقدر ولا يجد سبيلا للإنكار عليهم. أما إذا وجد السبيل لإقامة الحجة، فإن بقاءه يكون واجبا لتبليغ الدين خصوصا إذا كان يدعو إلى التوحيد ومحاربة الشرك والبدع، ويجد من يسمع له ويصغي إليه وينتفع بدعوته. والله الموفق.
٢ الترمذي: الطلاق (١١٨٤) , وأبو داود: الطلاق (٢١٩٤) , وابن ماجه: الطلاق (٢٠٣٩) . رواه مالك في الموطأ (١/ ٢٧٨) في الزكاة: باب جزية أهل الكتاب والمجوس. وله شواهد تقويه، وراجع جامع الأصول (٢/ ٦٦٠ , ٦٦١) بتحقيق الأرناؤوط.

<<  <   >  >>