للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالثة: أنه لم ينكر عليه قوله: " نستشفع بك على الله".

الرابعة: التنبيه على تفسير سبحان الله.

الخامسة: أن المسلمين يسألونه صلى الله عليه وسلم الاستسقاء.

ثمرته وربحه! وأجل منفعته وأحسن عاقبته! سفر هو حياة الأرواح، ومفتاح السعادة، وغنيمة العقول والألباب، لا كالسفر الذي هو قطعة من العذاب". اهـ كلامه رحمه الله.

وأما الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته فالمراد به استجلاب دعائه، وليس خاصا به صلى الله عليه وسلم، بل كل حي صالح يرجى أن يستجاب له، فلا بأس أن يطلب منه أن يدعو للسائل بالمطالب الخاصة والعامة.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما أراد أن يعتمر من المدينة: " لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك " ١ ٢. وأما الميت فإنما يشرع في حقه الدعاء له على جنازته وعلى قبره وفي غير ذلك. وهذا هو الذي يشرع في حق الميت، وأما دعاؤه فلم يشرع، بل قد دل الكتاب والسنة على النهي عنه والوعيد عليه; كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} ٣. فبين الله تعالى أن دعاء من لا يسمع ولا يستجيب شرك يكفر به المدعو يوم القيامة، أي ينكره ويعادي من فعله، كما في آية الأحقاف: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} ٤. فكل ميت أو غائب لا يسمع ولا يستجيب ولا ينفع ولا يضر. والصحابة -رضي الله عنهم-، لا سيما أهل السوابق منهم كالخلفاء الراشدين، لم ينقل عن أحد منهم ولا عن غيرهم أنهم أنزلوا حاجتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، حتى في أوقات الجدب، كما وقع لعمر رضي الله عنه ٥ لما خرج ليستسقي بالناس خرج بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يستسقي؛ لأنه حي حاضر يدعو ربه٦. فلو جاز أن يستسقي بأحد بعد وفاته لاستسقى عمر رضي الله عنه والسابقون الأولون بالنبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا يظهر الفرق بين الحي والميت؛ لأن المقصود من الحي دعاؤه إذا كان حاضرا. فإنهم في الحقيقة إنما توجهوا إلى الله بطلب دعاء من يدعوه ويتضرع إليه، وهم كذلك يدعون ربهم، فمن تعدى المشروع إلى ما لا يشرع ضل وأضل. ولو كان دعاء الميت خيرا لكان الصحابة إليه أسبق وعليه أحرص، وبهم أليق، وبحقه أعلم وأقوم. فمن تمسك بكتاب الله نجا، ومن تركه واعتمد على عقله هلك. وبالله التوفيق.


١ ضعيف: جزء من حديث ابن عمر أن عمر استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له فقال ... الحديث. أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة (١٤٩٨) : باب الدعاء، والترمذي: كتاب الدعوات (٣٥٦٢) : باب رقم (١٢١) ، وابن ماجة: كتاب المناسك (٢٨٩٤) : باب فضل دعاء الحاج وإسناده ضعيف. وضعفه الألباني في تخريج المشكاة (٢٢٤٨) ، وضعيف الجامع (٦٢٩٢) .
٢ رواه أبو داود وأحمد في المسند (ج ١ ص ٢٩ وج ٢ ص ٥٩) عن عبد الله بن عمر "أن عمر استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة, فأذن له. فقال: يا أخي أشركنا في صالح دعائك; ولا تنسنا". قال عبد الرزاق في حديثه: فقال عمر: "ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس" لقوله: يا أخي.
٣ سورة فاطر آية: ١٣-١٤.
٤ سورة الأحقاف آية: ٦.
٥ صحيح البخاري: كتاب الاستسقاء (١٠١٠) : باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا. من حديث أنس رضي الله عنه.
٦ رواه البخاري. وقد حصل ذلك في عام الرمادة سنة ثمان عشرة, ودام القحط تسعة أشهر. قال الحافظ في الفتح (ج ٢ ص ٣٣٩) : وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقعت فيه. فأخرج بإسناده أن العباس لما استسقى به عمر قال: "اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب, ولم يكشف إلا بتوبة; وقد توجه القوم إليك بي لمكاني من نبيك. وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة, فاسقنا الغيث". فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس.

<<  <   >  >>