للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتستجلب به الحسنات. وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات، وبه أنزلت الكتب، وبه أرسلت الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء، وبه خقت الحاقة، ووقعت الواقعة، وبه وضعت الموازين القسط ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار، وبه عبد رب العالمين وحمد، وبحقه بعثت الرسل، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور، وبه الخصام وإليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة، وبه سعد من عرفه وقام بحقه،

وبه شقي من جهله وترك حقه; فهو سر الخلق والأمر. وبه قاما وثبتا، وإليه انتهيا، فالخلق به وإليه ولأجله. فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئا منه ومنتهيا إليه. وذلك موجبه ومقتضاه {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ١ إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى-.

قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ٢ قال ابن جرير: حدثني السري بن يحيى حدثنا عثمان بن زفر سمعت العرزمي يقول: "الرحمن بجميع الخلق، والرحيم بالمؤمنين".

وساق بسنده عن أبي سعيد - يعني الخدري - قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم٣ " إن عيسى ابن مريم قال: الرحمن: رحمن الآخرة والدنيا. والرحيم: رحيم الآخرة " ٤.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: ٥ " فاسمه "الله" دل على كونه مألوها معبودا. يألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا، ومفزعا إليه في الحوائج والنوائب. وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله؛ إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أقواله وأفعاله. فصفات الجلال والجمال أخص باسم "الله"، وصفات الفعل والقدرة والتفرد بالضر والنفع "العطاء والمنع ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم الرب"، وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطف أخص باسم "الرحمن".

وقال -رحمه الله- أيضا: " "الرحمن" دال على الصفة القائمة به سبحانه. "والرحيم" دال


١ سورة آل عمران آية: ١٩١.
٢ سورة الفاتحة آية: ١.
٣ قطعة من حديث لعائشة رضي الله عنها ص١١ لا أحصي ثناء. رواه مسلم: كتاب الصلاة (٤٨٦) (٢٢٢) : باب ما يقال في الركوع والسجود.
٤ تقدم تخريجه برقم [٤] ص ١٢ وهو موضوع حديث عيسى عليه الصلاة والسلام.
٥ في مدارج السالكين (ج١ ص١٨) .

<<  <   >  >>