للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وألسني العافية في أركاني، وستر عليّ ما أكره ذكره، فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه؟.

فقلنا: رحمك الله، لعلك أن تقوم معي إلى منزلي، فأنا نزول على النهر هاهنا بإزائك.

قال: ولم؟.

قلت: لتصيب شيئا من الطعام، ونعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير.

قال: ما لي في ذلك من حاجة.

فأبى أن يسير معي، فانصرفت وقد تقاصرت عندي نفسي ومقتها، وقلت: لم أخلّف بدمشق رجلا أكثر مني مالا، وأنا ألتمس الزيادة.

فقلت: اللهم إني أتوب إليك مما أنا فيه، فتبت ولم يعلم أحد بما اجتمعت عليه، فلما كان في السحر، رحل الناس، وقدّموا إليّ دابتي، فصرفتها إلى دمشق، وقلت: ما أنا بصادق في التوبة إن أنا مضيت إلى متجري، فسألني القوم فأخبرتهم، فعاتبوني على المشي معهم فأبيت.

فلما قدم على دمشق قال ناقل الحديث: فوضع يده في ماله وتصدق به، وفرّقه في سبيل الله، ولزم العبادة حتى توفي رضي الله عنه، فلما توفي لم يوجد عنده إلا قدر حق الكفن.

وأنشدوا:

ذكر الوعيد فطرفه لا يهجع ... وجفا الرّقاد فبان عنه المضجع

متفرّدا بغليله يشكو الذي ... منه الجوانح والحشا يتوجع

لما تيقّن صدق ما جاءت به ... الآيات صار إلى الإنابة يسرع

فجفا الأحبّة في محبّة ربّه ... وسما إليه بهمّة ما يقلع

<<  <   >  >>