"والأفضل للمحرم أن يضحى لمن أحرم له" يعني ليبرز لمن أحرم له، يبرز له، ولا يستظل بشيء، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يحجون، وقد رأى ابن عمر رجلاً ظُلل عليه بشيء قريب من رأسه كما هي عادة من يظلل عليه؛ لأنه لا يبعد كثيراً، ققال:"أيها المحرم اضحَ لمن أحرمت له" يعني أبرز، ولهذا كان السلف يكرهون القباب على المحامل، وليس هذا من أجل المشقة لذاتها، وإنما المقصود ترك الترفه ولا يتعرض لما يضره، لا يقول: أنا لا أدخل الخمية وأبرز لمن أحرمت له بحيث أتعرض لضربان شمس أو لبرد أو نحو ذلك، لا، عليه أن يتقي ما يضره ومع ذلك لا يترفه الترفه الذي كان يفعله قبل الإحرام، ولهذا كان السلف يكرهون القباب على المحامل لقربها من رؤوسهم، وهي المحامل التي لها رأس، وأما المحامل المكشوفة فلم يكرهها إلا بعض النساك، وهذا في حق الرجل، كرهها بعض النساك، وإن كانت مكشوفة لما فيها من الترفه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حج على رحل رث، وأنس بن مالك حج على رحل ولم يكن شحيحاً، كما في صحيح البخاري، وقال: حج النبي -عليه الصلاة والسلام- على رحل، يعني يقتصد في حجه بقدر الاستطاعة.
بعض النساك كرهوا الاستظلال، حتى كرهوا ركوب المحامل المكشوفة التي ليس عليها غطاء لوجود الترفه، ولهذا في مثل أسفار العبادات على المسافر هذه الأسفار سواءً كان عمرة أو حج، أو ما أشبههما من أسفار العبادة، ألا يبالغ في الترفه والتنعم، ولذا تجدون بعض الناس يذهب ليجاور في جوار المسجد الحرام في الشعر الأواخر من رمضان، ثم يبحث عن أرقى الفنادق، وأغلى المركوبات، وأفخر المأكولات، وما أشبه ذلك، هذا لا يليق بهذه العبادة؛ لأن هذه لها أثر على قلبك، فلا يستحضر القلب في كل وقت مع وجود هذه الأمور، فعليه أن يقتصد في مثل هذه، وإذا رجع إلى بيته يزاول ما كان يفعله من المباحات، ولا أحد يمنعه مما أباحه الله له، لكن وجد الأثر على القلب في التوغل في هذه الأمور.