"وقد تنازع العلماء في ذلك هل ذلك مقدر بالشرع أو يرجع فيه إلى العرف؟ وكذلك تنازعوا في النفقة: نفقة الزوجة، والراجح في هذا كله أن يرجع فيه إلى العرف" لا شك أن الناس متفاوتون منهم الكريم الذي يبذل أكثر مما يطلب منه، ومنهم الشحيح الذي يظن بالواجب، ومنهم المتوسط، فيرجع في هذا إلى المتوسط، فإذا تنازعت الزوجة مع زوجها وأنه لا يعطيها ما يكفيها ينظر إلى الواقع فإن كان مساوياً لأوساط الناس يكفي، هذا إذا كانت من سطة الناس، أما إذا كانت من علية القوم فتعطى ما يناسبها، وإذا لم يعطيها ذلك لها أن تأخذ ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف، مثل هذا لا بد من رده إلى العرف، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال:((خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)) يعني ما يتعارف عليه الناس من غير إسراف ولا تقتير، هذا بالنسبة للزوجة الوحدة، أما إذا كانت زوجات وتتفاوت مطالبهم، وهذه تحتاج إلى نوع كذا، وهذه تحتاج إلى كذا، وهذا غالي، وهذا رخيص تحتاج منه الكسوة الأولى مالا تحتاجه الثانية والعكس، مما يضطرب فيه الأمر، ولا يستطيع الضبط، الزوج لا يستطيع الضبط في مثل هذه الحالة؛ لأن الأولى يناسبها ثوب مثلاً بمائة ريال، والثانية الأخيرة تحتاج إلى ثوب يناسبها بأكثر من ذلك، والعكس في بعض الأمور، كالعدل بين الأولاد، فمثل هذا الأنفع ما يكون فيه أن تعطى النفقة دراهم ودنانير، تقسم بينهن بالسوية ويتصرفون، التي تحتاجه من هذا وتزيد فيه تنقصه من الثاني وهكذا، يعطيهم ما يكفيهم عادة، وهذا الذي تبرأ به الذمة بدقة، أما أن يأتي لهذه بكذا، ومرة يأتي لهذه بكذا، ومرة يطلب من كذا، ما ينضبط هذا، ولا تبرأ الذمة بمثل هذا، وهذا فيه صعوبة ضبطه، فيه صعوبة شاقة، وإذا أمن الطعام وأعطاهم ما يكفيهم لمدة شهر، هؤلاء يكفيهم نصف ما يكفي أولئك؛ لأن عددهم أقل، هذا أيضاً يكفيه بالنسبة للطعام، أما بالنسبة للكسوة وغيرها من الأمور الكمالية فيصعب ضبطها.