للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مخرج التنادر، وسمع صاحب الخبر ذلك، فكتب به إلى الوزير، ودعاه من وقته، فلما وقف بين يديه قال له: أعد قولك في معنى الرزق. فاضطرب وتحير، فقال له، أعد ويل لك. فقال: إنما كان قولي على وجه التعجب من نظر الوزير الدقيق في الأمر القليل: فقال: لا تتعجب من ذلك فإن لكل أمر حظاً من النظر والتفقد، ولو لم نتفقد الصغير لأضعنا الكبير، وهذه أمانة لا بد من أدائها في قليل الأمور وكثيرها. وكما أنا نظرنا في هذا الدقيق ساعة فكذلك ننظر في الجليل ساعةً نظراً يؤدي إلى استخلاص البلد العظيم، وتحصيل المال الجسم وإعادة الشاذ إلى الطاعة، ونأتي من التوفير بما يضعف على أرزاقنا للسنين الكثيرة. وإذا علم معاملونا أنا نراعي أمورهم هذه المراعاة لزموا الأمانة وخافو الخيانة. أخرج ودع الفضول. فخرج وعمامته في يده.

وحدث عبد الرحمن بن عيسى قال: حدثني أحد الخدم الخاصة قال: حضر أبو الحسن علي بن عيسى دار السلطان في يوم شديد البرد، وليس بيوم موكب، وعرف المقتدر بالله خبره، فجلس له في بعض الصحون على كرسي ورأسه مكشوف. فخاطبه في معنى ما حضر له، فلما فرغ قال له: يا أمير المؤمنين تبرز في مثل هذه الغداة الباردة، وتجلس في هذا الصحن الواسع، ورأسك بغير غطاء، والناس في مثلها يجلسون في المواضع الكنينة، ويستعملون من الدثار ما يستعملونه، وأحسبك تسرف في أخذ الأشربة الحارة، والأطعمة الكثيرة المسك. فقال المقتدر بالله: لا والله ما أفعل ولا آكل طعاماً فيه مسك ولا يطرح لي في شيء إلا يسير يكون في الخشكنانج، وربما أكلت في الأيام واحدة منه. فقال له الوزير: فإنى أطلق يا أمير المؤمنين في كل شهر في جملة نفقات المطبخ لثمن المسك نحو ثلاثمائة دينار. وانقضى كلامهما، ونهض المقتدر بالله وخرج الوزير. فلما صار في الصحن وقف

<<  <   >  >>