للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَعْيِ تِلْكَ الْمُرُوجِ وَالاحْتِطَابِ مِنْهَا، وَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَبِمَوَاشِيهِمْ وَدَوَابِّهِمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا كُلَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْعَى فِيهَا أَوْ يَحْتَطِبَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُم مرعى وَمَوْضِع احتطاب حَولهمْ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَلا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الاحْتِطَابَ وَالرَّعْيَ مِنَ النَّاس.

الْمَدِينَة المشرقة حرم آمن:

قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَمْرٍو السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ أَوْ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْمَدِينَةِ: "إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ، إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ، إنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ".

قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه حرم عضاء١ الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا اثْنَيْ عَشَرَ مِيلا -أَيْ جَنْبَهَا- وَحَرَّمَ الصَّيْدَ فِيهَا أَرْبَعَةَ أَمْيَالٍ حَوْلَهَا، أَيْ جنبها.

قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ تَفْسِيرَ هَذَا إِنَّمَا هُوَ لاسْتِبْقَاءِ العضاء لِأَنَّهَا رعى المواضي مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ وَإِنَّمَا كَانَ قوت الْقَوْم اللَّبن، وَكَانَتْ حَاجَتُهُمْ إِلَى الْقُوتِ أَفْضَلَ من حَاجتهم إِلَى الْخطب.

القَوْل فِي الاحتطاب وقطف الثِّمَار غير الْمَمْلُوكَة:

وَإِذَا كَانَ الْحَطَبُ فِي الْمُرُوجِ وَهِيَ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ؛ فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْتَطِبَ مِنْهَا إِلا بِإِذْنِهِ؛ فَإِنِ احْتَطَبَ مِنْهَا ضَمِنَ قِيمَةَ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ لأَحَدٍ مِلْكٌ فَلا بَأْسَ أَنْ يَحْتَطِبَ مِنْهُ جَمِيعُ النَّاسِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَحْتَطِبَ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ مَالِكًا، وَكَذَلِكَ الثِّمَارُ فِي الْجِبَالِ وَالْمُرُوجِ وَالأَوْدِيَةِ مِنَ الشَّجَرِ مَا لَمْ يَغْرِسْهُ النَّاسُ، وَلا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهَا وَيَتَزَوَّدَ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ، وَكَذَا الْعَسَلُ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ وَالْغِيَاضِ؛ فَلا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَلَيْسَ الْعَسَلُ فِي الْجِبَالِ مِمَّا يَكُونُ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي يَتَّخِذُهُ النَّاسُ يَكُونُ فِي الكوارت٢ فَمَا لَمْ يُحْرَزْ مِنْهَا فَهُوَ مُبَاحٌ كَفِرَاخِ الصَّيْدِ مِنَ الطَّيْرِ وبيضه يكون فِي الغياض.

من أحرق شَيْئا فِي أرضه فتعدت إِلَى غَيره:

قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلا أَحْرَقَ كَلأً فِي أَرْضِهِ فَذَهَبَتِ النَّارُ فَأَحْرَقَتْ مَالَ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ رَبُّ الأَرْضِ؛ لأَنَّ لَهُ أَنْ يُوقِدَ فِي أَرْضِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحَق حصائد فِي أَرض كَانَ مثل ذَلِك،


١ العضاء كل شجر لَهُ شوك.
٢ المناحل الَّتِي يصنعها النَّاس.

<<  <   >  >>