وَقَدْ كَانَ نَظَر فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْمَاضِينَ وَهَمُّوا بِهَدْمِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسَ الَّتِي فِي الْمُدُنِ وَالأَمْصَارِ؛ فَأَخْرَجَ أَهْلَ الْمُدُنِ الْكُتُبَ الَّتِي جَرَى الصُّلْحِ يها بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ، وَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْفُقَهَاءُ وَالتَّابِعُونَ ذَلِكَ وَعَابُوهُ عَلَيْهِمْ؛ فَكَفُّوا عَمَّا أَرَادُوا مِنْ ذَلِكَ؛ فَالصُّلْحُ نَافِذٌ عَلَى مَا أَنْفَذَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَرَأُيَكَ بَعْدُ فِي ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا تُرِكَتْ لَهُمْ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ عَلَى مَا أَعْلَمْتُكَ.
وَسَبَى خَالِدٌ فِي مَخْرَجَهُ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى دِمَشْقَ أَلْفَ رَأْسٍ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَوَى لَنَا: سَبَى مِنْ مَخْرَجِهِ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى دِمَشْقَ خَمْسَةِ آلافِ رَأْسٍ، وَكَانَ مَا بَعَثَ مِنَ الْحِيرَةِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ السَّبْيِ وَالْجِزَيَةِ مَعَ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ؛ فَكَانَ أول سببي وَمَالُ جِزْيَةٍ وَرَدَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الَّذِي بَعَثَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ؛ إِلا مَا أَتَاهُ مِنْ مَالِ الْبَحْرين.
عزل خَالِد عَن الشَّام:
ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَزَلَ خَالِدًا عَنِ الشَّامِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ؛ فَقَامَ خَالِدٌ فخاطب النَّاسَ؛ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَعْمَلَنِي عَلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَثْنِيَةً١ وَعَسَلا عَزَلَنِي وَآثَرَ بِهَا غَيْرِي. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: اصْبِرْ أَيُّهَا الأَمِيرُ فَإِنَّهَا الْفِتْنَةُ؛ فَقَالَ خَالِدٌ: أَمَا وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ فَلا.
قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ مَا قَالَ خَالِدٌ قَالَ: أَمَا لأَنْزِعَنَّ خَالِدًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ دِينَهُ، لَيْسَ هُوَ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الشَّامِ حَصَرُوا أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابَهُ فَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عمر:
سَلام عَلَيْك، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ شة إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا فَرَجًا، وَلنْ يغلب عسر يسرين {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمرَان: ٢٠٠] .
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ:
سَلامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورضوان وَمَا الْحَيَاة
١ أَي صَارَت كالزبد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute