للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِنْ أَرَادَ هَذَا الرَّسُولُ رَسُولُ الْمَلِكِ أَوِ الَّذِي أُعْطِيَ الأَمَانَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُتْرَكُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُمْ بِسِلاحٍ وَلا كِرَاعٍ١ وَلا رَقِيقٍ مِمَّا أُسِرَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ.

فَإِنِ اشْتَرَوْا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يُرَدُّ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُمْ وَرَدَّ أُولَئِكَ الثَّمَنَ إِلَيْهِمْ.

فَإِنْ كَانَ مَعَ هَذَا الرَّسُولِ أَوِ الَّذِي أَعْطَى الأَمَانَ سِلاحٌ جَيِّدٌ؛ فَأَبْدَلَهُ بِسِلاحٍ أَشَرَّ مِنْهُ أَوْ دَابَّةٌ فَأَبْدَلَهَا بِأَشَرَّ مِنْهَا؛ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلا بَأْسَ بِأَنْ يُتْرَكَ يَخْرُجَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَبْدَلَهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ رُدَّ عَلَيْهِ سِلاحُهُ وَدَابَّتُهُ وَرُدَّ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي أَبْدَلَهُ، وَلا يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَتْرُكَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يَدْخُلَ بِأَمَانٍ أَوْ رَسُولا من ملكهم يخرج بِشَيْء من الرَّقِيق وَالسِّلَاح أَو بِشَيْء مِمَّا يَكُونُ قُوَّةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

فَأَمَّا الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ. وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُبَايِعَ الرَّسُولُ وَلَا الدَّاخِل مَعَه بِأَمَان بِشَيْء مِنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلا الرِّبَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، وَلا يَحِلُّ أَنْ يُبَايَعَ فِي دَارِ الإِسْلامِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ أَنَّ هَذَا الدَّاخِلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ أَو الرَّسُول زنى أَو سرق فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَائِنَا قَالَ لَا أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ؛ فَإِنْ كَانَ اسْتهْلك الْمَتَاع فِي السّرقَة ضمنته، وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَدْخُلَ إِلَيْنَا لِيَكُونَ ذِمِّيًّا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا. قَالَ: وَلَوْ قَذَفَ رَجُلا حَدَدْتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَتَمَ رَجُلا عَزَّرْتَهُ لأَنَّ هَذَا حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ سَرَقَ قَطَعْتُهُ وَإِنْ زَنَى حَدَدْتُهُ.

وَكَانَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ وَالله أعلم أَن تَأْخُذهُ باحلدود كُلِّهَا حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْهُ مُسْلِمٌ لَمْ تُقْطَعْ لَهُ يَدُ الْمُسْلِمِ. وَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَهُ عَمْدًا لَمْ تُقْطَعْ لَهُ يَدُ الْمُسْلِمِ. وَالْقِيَاسُ كَانَ أَنْ تُقْطَعَ لَهُ وَأَنْ يُقْطَعَ الْمُسْلِمُ إِذَا سَرَقَ مِنْهُ إِلا أَنِّي اسْتَحْسَنْتُ مُوَافَقَةَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ.

قَالَ: فَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ امْرَأَةٌ فَفَجَرَ بِهَا مُسْلِمٌ حُدَّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلِهِمْ.

وَإِنْ أَقَامَ هَذَا الْمُسْتَأْمَنُ فَأَطَالَ الْمُقَامَ أُمِرَ بِالْخرُوجِ فَإِن أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ حَوْلا وُضِعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَة.

قَالَ: وَلَو أَنَّ مَرْكَبًا مِنْ مَرَاكِبِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ بِمَنْ فِيهِ حَتَّى أَلْقَتْهُ عَلَى سَاحِلِ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذُوا الْمَرْكِبَ وَمَنْ فِيهِ فَقَالُوا نَحن رسل


١ لَفْظَة تجمع بَين الْخَيل وَالسِّلَاح.

<<  <   >  >>