للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خَلْفَهُ فَقَتَلُوهُ وَأَصْحَابَهُ؛ فَأَوْصَى إِلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَوَلِيَ أَمْرَ النَّاسِ بَعْدَ أَبِي عُبَيْدٍ جَرِيرٌ فَلَقِيَ مِهْرَانَ فَهَزَمَهُ اللَّهُ وَالْمُشْرِكِينَ، وَقُتِلَ مِهْرَانُ فَرَفَعَ جُرَيْرٌ رَأْسَهُ عَلَى رُمْحٍ، ثُمَّ وَجَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي آخِرِ السَّنَةِ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ١ إِلَى رُسْتُمَ فَالْتَقَوْا بِالْقَادِسِيَّةِ.

قَالَ: وَحَدَّثَنِي حُصَيْنٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَتَّى نَزَلَ بِالْقَادِسِيَّةِ وَمَعَهُ النَّاسُ. قَالَ فَمَا أَدْرِي لَعَلَّنَا كُنَّا لَا نَزِيدُ عَلَى سَبْعَةِ آلافٍ أَوْ ثَمَانِيَةِ آلافٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ سِتُّونَ أَلْفًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، مَعَهُمُ الْفُيُولُ. قَالَ فَلَمَّا نَزَلُوا قَالُوا لَنَا: ارْجِعُوا فَإِنَّا لَا نَرَى لَكُمْ عَدَدًا وَلا نَرَى لَكُمْ قُوَّةً وَلا سِلاحًا؛ فَارْجِعُوا. قَالَ: فَقُلْنَا: مَا نَحْنُ بِرَاجِعِينَ. فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ بِنِبَالِنَا وَيَقُولُونَ دوس يُشَبِّهُونَهَا بِالْمَغَازِلِ. قَالَ: فَلَمَّا أَبَيْنَا عَلَيْهِمُ الرُّجُوعَ، قَالُوا: ابْعَثُوا إِلَيْنَا رَجُلا عَاقِلا يُخْبِرُنَا مَا الَّذِي جَاءَ بِكُمْ مِنْ بِلادِكُمْ فَإِنَّا لَا نَرَى لَكُمْ عَدَدًا وَلا عُدَّةً. قَالَ: فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَنَا لَهُمْ، فَعَبَرَ إِلَيْهِمْ، فَجَلَسَ مَعَ رُسْتَمَ عَلَى السَّرِيرِ، فَنَخَرَ وَنَخَرُوا حِينَ جَلَسَ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: وَالله مَا زادني مجْلِس هَذَا رِفْعَةً وَلا نَقَصَ صَاحِبَكُمْ، فَقَالَ لَهُ رُسْتَمُ: أَنْبِئُونِي مَا جَاءَ بِكُمْ مِنْ بِلادِكُمْ فَإِنَّا لَا نَرَى لَكُمْ عَدَدًا وَلا عُدَّةً.

فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: كُنَّا قَوْمًا فِي شَقَاءٍ وَضَلالَةٍ؛ فَبَعَثَ اللَّهُ فِينَا نَبِيًا فَهَدَانَا اللَّهُ بِهِ وَرَزَقَنَا عَلَى يَدَيْهِ فَكَانَ فِيمَا رُزِقْنَا حَبَّةً زَعَمُوا أَنَّهَا تَنْبُتُ فِي هَذِهِ الأَرْضَ؛ فَلَمَّا أَكَلْنَا مِنْهَا وَأَطْعَمْنَا أَهْلِينَا قَالُوا لَا صَبْرَ لَنَا حَتَّى تُنْزِلُونَا هَذِه الْبِلَاد فتأكل هَذِهِ الْحَبَّةِ. فَقَالَ رُسْتَمُ: إِذَنْ نَقْتُلَكُمْ فَقَالَ: إِنْ قَتَلْتُمُونَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، وَإِنْ قَتَلْنَاكُمْ دَخَلْتُمُ النَّارَ، وَإِلا فَأَعْطُونَا الْجِزْيَةَ، قَالَ فَلَمَّا قَالَ أَعْطُونَا الْجِزْيَةَ صَاحُوا وَنَخَرُوا، وَقَالُوا لَا صُلْحَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَقَالَ: الْمُغِيرَةُ: أَتَعْبُرُونَ إِلَيْنَا أَمْ نَعْبُرَ إِلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: رُسْتَمُ: نَعْبُرُ إِلَيْكُمْ -مُدِلا- قَالَ فَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى عَبَرَ مِنْهُمْ مَنْ عَبَرَ، ثُمَّ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ وَهَزَمُوهُمْ.

قَالَ حُصَيْنٌ وَكَانَ مَلِكُهُمْ رُسْتَمُ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَمْشِي عَلَى ظُهُورِ الرِّجَالِ نَعْبُرُ الْخَنْدَقَ، مَا مَسَّهُمْ سِلاحٌ قَدْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: وَوَجَدْنَا جِرَابًا فِيهِ كَافُورٌ. قَالَ: فَحَسِبْنَاهُ مِلْحًا وَطَبَخْنَا لَحْمًا فَطَرَحْنَا فِيهِ مِنْهُ؛ فَلَمْ نَجِدْ لَهُ طَعْمًا؛ فَمَرَّ بِنَا عَبَّادِيٌّ مَعَهُ قَمِيصٌ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُتَعَبِّدِينَ لَا تُفْسِدُوا طَعَامَكُمْ؛ فَإِنَّ مِلْحَ هَذِهِ الأَرْضِ لَا خَيْرَ فِيهِ فَهَلْ لَكُمْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ بِهِ هَذَا الْقَمِيصَ؟ قَالَ: فَأَعْطَانَا بِهِ


١ أَي ابْن أبي وَقاص.

<<  <   >  >>