دُخُول الرها وَمَا صولح عَلَيْهِ أَهلهَا:
وَوَجَّهَ عِيَاضَ بْنَ غَنَمٍ الْفِهْرِيَّ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَمَدِينَةِ مَلِكِ الرُّومِ يَوْمَئِذٍ الرُّهَا فَعَمَدَ لَهَا عِيَاضُ بن غنم، وَلم يتَعَرَّض لشَيْء مِمَّا مَرَّ بِهِ مِنَ الْقُرَى وَالرَّسَاتِيقِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا وَلا جُنْدًا حَتَّى نَزَلَ الرَّهَا فَأَغْلَقَ أَصْحَابُهَا أَبْوَابَهَا وَأَقَامَ عِيَاضٌ عَلَيْهَا لُبْثًا لَمْ يُسَمَّ لِي؛ فَلَمَّا رأى صَاحبهَا الحاصر وَيَئِسَ مِنَ الْمَدَدِ فَتَحَ لَهَا بَابا من الْجَبَلِ لَيْلا فَهَرَبَ، وَأَكْثَرُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْجُنْدِ وَبَقِيَ فِي الْمَدِينَةِ أَهْلُهَا مِنَ الأَنْبَاطِ وَهُمْ كَثِيرٌ، وَمَنْ لَمْ يُرِدِ الْهَرَبَ مِنَ الرُّومِ وَهُمْ قَلِيلٌ؛ فَأَرْسَلُوا إِلَى عِيَاضِ بْنِ غَنَمٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ عَلَى شَيْءٍ سَمَّوْهُ فَكَتَبَ عِيَاضٌ بِذَلِك إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ؛ فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ بَعَثَ بِهِ إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ؛ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: إِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَهُمُ الصُّلْحَ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى فَعَجَزُوا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَقْتُلَهُمْ وَلَمْ تَجِدْ بُدًا مِنْ إبِْطَال مَا اشتطرت عَلَيْهِمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ أَيْسَرُوا أَدَّوْهُ عَلَى غَيْرِ الصَّغَارِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِيهِمْ؛ فَاقْبَلْ مِنْهُمُ الصُّلْحَ وَأَعْطِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا الطَّاقَةَ، فَإِن أَيْسَرُوا أَوْ أَعْسَرُوا لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيْهِمْ إِلا مَا يَطِيقُونَ، وَتَمَّ لَكَ شَرْطُكَ وَلَمْ يَبْطُلْ.
فَقَبِلَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَتَبَ إِلَى عِيَاضِ بْنِ غَنَمٍ؛ فَلَمَّا أَتَى عِيَاضَ بْنَ غَنَمٍ الْكِتَابُ أَعْلَمَهُمْ مَا جَاءَ فِيهِ، فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَقَالَ قَائِلٌ: قَبِلُوا الصُّلْحَ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ. وَقَالَ آخَرُ: أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَعَلِمُوا أَنَّ فِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالا وَفُضُولا تَذْهَبُ إِنْ أُخِذُوا بِالطَّاقَةِ وَأَبَوْا إِلا شَيْئًا مُسَمًّى؛ فَلَمَّا رَأَى عِيَاضٌ إِبَاءَهُمْ وَحَصَانَةَ مَدِينَتِهِمْ وَآيِسَ مِنْ فَتْحِهَا عُنْوَةً صَالَحَهُمْ عَلَى مَا سَأَلُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ إِلا أَنَّ الصُّلْحَ قَدْ وَقَعَ وَفُتِحَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ لَا شكّ فِي ذَلِك.
دُخُول حران وَالصُّلْح مَعَ أَهلهَا:
ثُمَّ سَارَ عِيَاضُ بْنُ غَنَمٍ إِلَى حرَام أَوْ بَعَثَ، وَكَانَتْ أَقْرَبَ الْمَدَائِنِ إِلَيْهِ فَأَغْلَقَهَا أَهْلُهَا مِنَ الأَنْبَاطِ وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنَ الرُّومِ وَكَانُوا بِهَا؛ فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا أَعْطَى أَهْلَ الرَّهَا؛ فَلَمَّا رَأَوْا مَدِينَةَ مُلْكِهِمْ قَدْ فُتِحَتْ أَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ أَجْمَعُونَ.
فَأَمَّا الْقُرَى وَالرَّسَاتِيقَ فَإِنَّ أحدا مِنْهُمْ لَمْ يَدَعْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ؛ إِلا أَنَّ أَهْلَ كُلِّ كَوْرَةٍ كَانُوا إِذَا فُتِحَتْ مَدِينَتُهُمْ يَقُولُونَ نَحْنُ أُسْوَةَ أَهْلِ مَدِينَتِنَا وَرُؤَسَائِنَا.
وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ عِيَاضًا أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ وَلا أَبَاهُ عَلَيْهِمْ؛ فَأَمَّا مَنْ وَلِيَ مِنْ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ فَتْحِهَا فَإِنَّهُمْ قَدْ جَعَلُوا أَهْلَ الرَّسَاتِيقِ أُسْوَةَ أهل الْمَدَائِن إِلَّا فِي أزراق الْجند فَإِنَّهُم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute