كَانَتْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ، وَإِنِ احْتَفَرَ لَهَا بِئْرًا أَوِ اسْتَنْبَطَ لَهَا قَنَاةً كَانَتْ أَرْضَ عُشْرٍ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَأَيُّمَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بَادُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَبَقِيَتْ أَرْضُوهُمْ مُعَطَّلَةٌ، وَلا يُعْرَفُ أَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدٍ وَلا أَنَّ أَحَدًا يَدَّعِي فِيهَا دَعْوَى، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَعَمَرَهَا وَحَرَثَهَا وَغَرَسَ فِيهَا، وَأَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ وَالْعُشْرَ فَهِيَ لَهُ.
وَهَذِهِ الْمَوَاتُ هِيَ الَّتِي وَصَفْتُ لَكَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لِلإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إِلا بِحَقٍ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ.
وَلِلإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ كُلَّ مَوَاتٍ وَكُلُّ مَا كَانَ لَيْسَ لأحد يه مِلْكٌ، وَلَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِالَّذِي يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَعَمُّ نَفْعًا.
وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا مِمَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ افْتَتَحُوهُ مِمَّا كَانَ فِي أَيْدِي أَهْل الشِّرْكِ عُنْوَةً، وَقَدْ كَانَ الإِمَامُ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْجُنْدِ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا وَخَمَّسَهَا؛ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لأَنَّهُ حِينَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ صَارَتْ أَرْضَ عُشْرٍ؛ فَيُؤَدِّي عَنْهَا الَّذِي أَحْيَا مِنْهَا شَيْئًا الْعُشْرَ، كَمَا يُؤَدِّي هَؤُلاءِ الَّذِينَ قَسَّمَهَا الإِمَامُ بَيْنَهُمْ.
وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ حِينَ افْتَتَحَهَا تَرَكَهَا فِي أَيْدِي أَهْلِهَا وَلَمْ يَكُنْ قَسَّمَهَا بَيْنَ مَنِ افْتَتَحَهَا، كَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَرَكَ السَّوَادَ فِي أَيدي أهليه؛ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ يُؤَدِّي عَنْهَا الَّذِي أَحْيَا مِنْهَا شَيْئًا الْخَرَاجَ كَمَا يُؤَدِّي الَّذِي كَانَ الإِمَامُ أَقَرَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَحْيَا أَرضًا من أَرض الْمَوَاتِ -مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ أَوْ أَرْضِ الْعَرَبِ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ- فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الأَرَضِينَ الَّتِي افْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ مِمَّا فِي أَيْدِي أَهْلِ الشِّرْكِ؛ فَإِنْ أَحْيَاهَا وَسَاقَ إِلَيْهَا الْمَاءَ مِنَ الْمِيَاهِ الَّتِي كَانَت ي أَيْدِي أَهْلِ الشِّرْكِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَإِنْ أَحْيَاهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَاءِ -بِبِئْرٍ احْتَفَرَهَا فِيهَا أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا مِنْهَا- فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ. وَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسُوقَ الْمَاءَ إِلَيْهَا مِنَ الأَنْهَارِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيْدِي الأَعَاجِمَ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ سَاقَهُ أَوْ لَمْ يَسُقْهُ.
وَأَرْضُ الْعَرَبِ مُخَالِفَةٌ لأَرْضِ الْعَجَمِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا يُقَاتَلُونَ عَلَى الإِسْلامِ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَلا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلا الإِسْلامَ؛ فَإِنْ عُفيَ لَهُم عَن بِلَادهمْ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ وَإِنْ قَسَّمَهَا الإِمَامُ وَلَمْ يَدَعْهَا لَهُمْ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْحُكْمُ فِي الْعَرَب الحكم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute