للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي يَده فَدَار بِعَيْنَيْهِ حَوْل نَفْسه فَمَرَّتْ بِخَاطِرِهِ فِي اَلْحَال ذِكْرَى مَصْرَعه اَلْقَدِيم فِي هَذَا اَلْمَكَان عَيْنه مُنْذُ خَمْسَة عَشَر شَهْرًا يَوْم أَلْقَتْ مَرْغِرِيت بِنَفْسِهَا عَلَيْهِ وَرَسَمَتْ عَلَى ثَغْره أَوَّل قُبْلَة مِنْ قُبُلَات اَلْحُبّ فهاجته تِلْكَ اَلذَّكَرِيّ وَصَاحَ مَا اُبْعُدْ اَلْيَوْم مَنْ أُلَامِس وَأَنْشَأ يَبْكِي بُكَاء اَلطِّفْل اَلَّذِي حِيلَ بَيْنه وَبَيْن ثَدْي أُمّه حَتَّى بَكَى اَلْحَارِس لِبُكَائِهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُعَزِّيه عَنْ مُصَابه وَيُهَوِّنهُ عَلَيْهِ حَتَّى هَدَأَ قَلِيلًا فَأَمْره أَنْ يَسْتَدْعِي لَهُ عَرَبَة فَفَعَلَ فَقَامَ يَتَوَكَّأ عَلَى يَد اَلْحَارِس حَتَّى بَلَّغَهَا فَرَكِبَ وَقَالَ لِلسَّائِقِ إِلَى فُنْدُق تورين فَسَارَتْ بِهِ اَلْعَرَبَة إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنه وَبَيْنه إِلَّا مُنْعَطَف وَاحِد مَرَّتْ بِجَانِيهِ عَرَبَة فَخْمَة مُرُور اَلْبَرْق اَلْخَاطِف تَحْمِل رَجُلًا وَاِمْرَأَة لَمْ يَتَبَيَّنهُمَا لِلنَّظْرَةِ اَلْأُولَى ثُمَّ رَاجِعْ صُورَتهمَا فِي خَيَاله فَإِذَا هُمَا جَانّ فِيلِيب وَمَرْغِرِيت وَكَانَتْ مَرْكَبَته قَدْ وَصَلَتْ بِهِ إِلَى اَلْفُنْدُق فَدَخَلَ عَلَى أَبِيهِ هَائِمًا مختبلا فَقَالَ مَا دَهَاك يَا بَنِي قَالَ قَدْ خَانَتْنِي يَا أَبَتَاهُ قَالَ ذَلِكَ مَا أَنْذَرَتْك مِنْ قَبْل يَا بَنِي.

ثُمَّ اِنْقَضَى اَلنَّهَار وَجَاءَ اَللَّيْل فَقَضَاهُ أَرْمَان سَاهِرًا فِي مَخْدَعه يُرَاجِع فِهْرِس حَيَاته مَعَ مَرْغِرِيت صَفْحَة صَفْحَة وَيَسْتَعْرِض فِي نَفْسه جَمِيع أَطْوَارهَا وَشُؤُونهَا فَلَمْ تَبْقَ حَرَكَة مِنْ حَرَكَاتهَا وَلَا كَلِمَة مِنْ كَلِمَاتهَا وَلَا صُورَة مِنْ صُوَر أَعْمَالهَا كَانَ يَرَاهَا بِالْأَمْسِ حَسَنَة مِنْ حَسَنَات اَلْإِخْلَاص وَالْوَفَاء إِلَّا رَآهَا اَلْيَوْم سَيِّئَة مِنْ سَيِّئَات اَلْخَدِيعَة وَالْمَكْر حَتَّى وَصْل فِي مُرَاجَعَته إِلَى اَلْأَمْس وَالْيَوْم اَلَّذِي قَبِلَهُ.

فَذَكَرَ عَدَم اِنْتِظَارهَا إِيَّاهُ فِي شُرْفَة اَلْبَيْت كَعَادَتِهَا يَوْم عَاد إِلَيْهَا مِنْ مُقَابَلَة أَبِيهِ وَشِدَّة اِحْتِفَاظهَا بِكِتَاب المركيز فِي يَدهَا عِنْدَمَا

<<  <   >  >>