وبعد: فلما كان تمييز الموضوع من الحديث عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم من أجل الفنون وأعظم العلوم، وأنبل الفوائد من جهات يكثر تعدادها، ولو لم يكن منها إلا تنبيه المقصرين في علم السنة، على ما هو مكذوب عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم ليجتنبوه، ويحذروا من العمل به، واعتقاد ما فيه، وإرشاد الناس إليه. كما وقع لكثير من المصنفين في الفقه والمتصدرين للوعظ، والمشتغلين بالعبادة، والمتعرضين للتصنيف في الزهد، فيكون لمن بين لهؤلاء ما هو كذب من السنة أجر من قام بالبيان الذي أوجبه الله، مع ما في ذلك من تخليص عباد الله من معرة العمل بالكذب، وأخذه على أيدي المتعرضين، لما ليس من شأنهم من التأليف والاستدلال والقيل والقال، وقد أكثر العلماء رحمهم الله من البيان للأحاديث الموضوعة وهتكوا أستار الكذابين، ونفوا عن حديث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم انتحال المبطلين، وتحريف الغالين (١) ، وافتراء المفترين، وزور المزورين، وهم رحمهم الله تعالى قسمان. قسم: جعلوا مصنفاتهم مختصة بالرجال الكذابين والضعفاء، وما هو أعم من ذلك. وبينوا في تراجمهم ما رووه من موضوع، أو ضعيف، كمصنف ابن حبان، والعقيلي، والأزدي في الضعفاء، وأفراد
(١) هكذا في المطبوعة، وهو الموافق لما جاء في حديث (يحمل هذا العلم من خلف عدوله...... الخ) راجع فتح المغيث ص (١٢٥) ، ووقع في الأصل (الأفاكين)