((فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا)) لأن هؤلاء الدخلاء على المجتمعات لا يلتزمون بعادات هذه المجتمعات ولا أعرافها، وقد لا يلتزمون بما ساد فيها من دين، أو ما أشبه ذلك، فهم لا يرعون شيئاً، لا يراعون شيئاً؛ لأنهم دخيلون على المجتمع، وأنت تجد الإنسان في مجتمعه أقول: الإنسان في مجتمعه يمشي على الجادة لأنه شيء نشأ عليه، ثم إذا طرأ على مجتمع آخر، واختلفت عليه الأعراف ولو كان في مجتمعه من أمثل الناس، وذهب إلى مجتمع آخر بين المجتمعين من التفاوت ما بينهما، فتجده في مجتمعه يشدد في أمور يتساهل فيها أهل هذا المجتمع، ويتساهل في أمور من مجتمعه يتشدد فيها أهل هذا المجتمع، وكل إنسان وافد على أي بلد من البلدان يجد الفرق، يعني الإخوة الوافدون من الأقطار الإسلامية أهل الفضل والخير والاستقامة بينهم وبين من وفدوا عليهم بعض التفاوت، تجد أهل البلد يفعلون أفعال يتساهلون فيها هي عند هؤلاء الوافدين عظائم، والعكس تجد هؤلاء الوافدين يستعملون أشياء تعارفوا عليها في بلدانهم وهي عند أهل البلد الموفود عليه عظائم، هذا يدرك وإلا ما يدرك؟ لا، مدرك هذا، نشوف بعض إخواننا الأخيار الذين يأتون إلينا من الأقطار يتشددون في أمور نحن نتسامح فيها، والعكس، يتسامحون في أمور نحن نتشدد فيها، فهنا ينشأ مثل هذه الأمور، وتضيع الأمور بهذا السبب، لا سيما إذا كان المسئول عن البلد يريد الضياع، فتجده في المسائل التي يتساهل فيها أهل البلد يعتمد عليهم ويقربهم فيها، ويسألهم عنها، وإذا أراد التساهل في أمور أخرى يتشدد فيها أهل البلد يسأل هؤلاء الوافدين، وهذا ظاهر عند من يريد ألا يأطر الناس على الحق، وتجد في بعض البلدان إذا أراد أن يتخطى أمراً من أوامر الشرع تجده ينفس على الناس أحياناً في بعض الأمور، بينما سياسة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إذا أراد أن يأطر الناس على الحق وسع عليهم في أمر الدنيا، لكي يقبل هذا الأطر، وهذا معروف عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-.
يقول:((فضلوا)) يعني بأنفسهم ((وأضلوا)) غيرهم، كما تقدم في الحديث الصحيح حينما يقبض العلم بقبض العلماء يتخذ الناس رؤوس جهال، فيفتون بغير علم، فيَضلون ويُضلون، نعم.