هذا كلام لابن القيم -رحمه الله- حول ابتداء السلام بالتنكير، ذكرنا في أحد الدروس أن العلماء يقولون: يخير في تعريفه وتنكيره في سلام على الحي، وعرفنا أنه بالنسبة للميت يقال لهم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين.
هنا يقول ابن القيم -رحمه الله-: ما الحكمة في ابتداء السلام بلفظ النكرة وجوابه بلفظ المعرفة؟ فتقول: سلام عليكم، فيقول الراد: وعليك السلام؟ يقول: فهذا سؤال متضمن لمسألتين، إحداهما هذه، والثانية اختصاص النكرة بابتداء المكاتبة والمعرفة بآخرها، والجواب عنهما بذكر أصل نمهده ترجع إليه مواقع التعريف والتنكير في السلام، وهو أن السلام دعاء وطلب، وهم في ألفاظ الدعاء والطلب إنما يأتون بالنكرة إما مرفوعة على الابتداء أو منصوبة على المصدر، فمن الأول قولهم: ويل له، ومن الثاني: خيبة له، هذا في الدعاء عليه، وفي الدعاء له: سقياً ورعياً، وكرامة ومسرة، فجاء: سلام عليكم، بلفظ النكرة كما جاءت سائر ألفاظ الدعاء.
وسر ذلك أن هذه الألفاظ جرت مجرى النطق بالفعل ألا ترى أن سقياً ورعياً وخيبة جرى مجرى: سقاك الله ورعاك، وخيبك، وكذلك سلام عليك جارٍ مجرى سلمك الله، والفعل نكرة فأحبوا أن يجعلوا اللفظ الذي هو جارٍ مجراه وكالبدل منه نكرة مثله، وأما تعريف السلام في جانب الراد فنذكر أيضاً أصلاً يعرف به سره وحكمته، وهو أن الألف واللام إذا دخلت على اسم السلام تضمنت أربع فوائد:
أحدها: الإشعار بذكر الله تعالى؛ لأن السلام المعرف من أسمائه كما تقدم تقريره.
الفائدة الثانية: إشعارها بطلب معنى السلامة منه للمسلم عليه؛ لأنك متى ذكرت اسماً من أسمائه فقد تعرضت به، وتوسلت به إلى تحصيل المعنى الذي اشتق منه ذلك الاسم.
الفائدة الثالثة: إن الألف واللام يلحقها معنى العموم في مضمونها والشمول في بعض المواضع.
الرابعة: أنها تقوم مقام الإشارة إلى المعين كما تقول: ناولني الكتاب، واسقني الماء، وأعطني الثوب لمن هو حاضر بين يديك، فإنك تستغني بها عن قولك هذا، فهي مؤدية معنى الإشارة.