وإذا عرفت هذه الفوائد الأربع فقول الراد: وعليك السلام بالتعريف متضمن للدلالة على أن مقصوده من الرد مثل الذي ابتدئ به وهو بعينه، فكأنه قال: ذلك السلام الذي طلبته لي مردود عليك وواقع عليك، فلو أتى بالرد منكراً لم يكن فيه إشعار بذلك؛ لأن المعرف وإن تعدد ذكره واتحد لفظه فهو شيء واحد بخلاف المنكر.
يعني أن النكرة إذا أعيدت معرفة صارت هي عين المذكور سابقاً، وأما بالنسبة إلى النكرة إذا أعيدت نكرة صارت غير المذكورة سابقاً ...
بخلاف المنكر، ومن فهم هذا فهم معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ((لن يغلب عسر يسرين)) فإنه أشار إلى قوله تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [(٥ - ٦) سورة الشرح] فالعسر وإن تكرر مرتين فتكرر بلفظ المعرفة فهو واحد، واليسر تكرر بلفظ النكرة فهو يسران، فالعسر محفوف بيسرين، يسر قبله، ويسر بعده، فلن يغلب عسر يسرين.
الحديث الذي ذكره ((لن يغلب عسر يسرين)) أخرجه ابن مردويه من حديث جابر مرفوعاً بسند ضعيف، وأخرجه سعيد بن منصور وعبد الرزاق في تفسيره وابن جرير من حديث ابن مسعود، وسنده ضعيف أيضاً، أخرجه عبد الرزاق في التفسير والطبري والحاكم في المستدرك عن الحسن مرسلاً، وهو صحيح إلى الحسن، وقد روي من طرق أخرى موقوفاً ومرسلاً، ولعله بهذه الطرق أو جميع هذه الطرق تدل على أن له أصلاً، وإن لم يكن أصل يصل إلى درجة الصحة، لكن له أصل ما دام له طرق متعددة.
في كلام كثير حول السلام، نعم قد يقول قائل: أيهما أبلغ سلام إبراهيم -عليه السلام- أو سلام الملائكة؟ {قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ} [(٦٩) سورة هود] هو رفع السلام وهم نصبوه، والمرفوع محض في الاسمية، والاسم يدل على الثبوت والدوام، والمنصوب قائم مقام فعله، مصدر مؤكد لفعله فهو قائم مقامه، والفعل يدل على التجدد والحدوث، ولذا قال أهل العلم: إن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة.