هنا يقول:"وأما السؤال العاشر وهو السر في نصب سلام ضيف إبراهيم –الملائكة- ورفع سلامه، فالجواب: أنك قد عرفت قول النحاة فيه أن سلام الملائكة تضمن جملة فعلية؛ لأن نصب السلام يدل على سلمنا عليك سلاماً، وسلام إبراهيم تضمن جملة اسمية؛ لأن رفعه يدل على أن المعنى سلام عليكم، والجملة الاسمية تدل على الثبوت والتقرر، والفعلية تدل على الحدوث والتجدد، فكان سلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه، وكان له من مقامات الرد ما يليق بمنصبه -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا- وهو مقام الفضل إذ حياهم بأحسن من تحيتهم، هذا تقرير ما قالوا.
وعندي فيه جواب أحسن من هذا، وهو أنه لم يقصد حكاية سلام الملائكة فنصب قوله: سلاماً فصار مفعول القول المفرد، كأنه قيل: قالوا: قولاً سلاماً، وقالوا: سداداً وصواباً ونحو ذلك، فإن القول إنما تحكي به الجمل، وأما المفرد فلا يكون محكياً به، بل منصوب به انتصاب المفعول به.
ومن هذا قوله تعالى:{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [(٦٣) سورة الفرقان] ليس المراد أنهم قالوا هذا اللفظ المفرد المنصوب، وإنما معناه قالوا: قولاً سلاماً، مثل سداداً وصواباً، وسمي القول سلاماً لأنه يؤدي معنى السلام ويتضمنه من رفع الوحشة وحصول الاستئناس.
وحكى عن إبراهيم لفظ سلامه، فأتى به على لفظه مرفوعاً بالابتداء، محكياً بالقول، ولولا قصد الحكاية لقال: سلاماً بالنصب؛ لأن ما بعد القول إذا كان مرفوعاً فعلى الحكاية ليس إلا، فحصل من الفرق بين الكلامين في حكاية سلام إبراهيم ورفعه، ونصبه ذلك إشارة إلى معنى لطيف جداً، وهو أن قوله: سلام عليكم من دين الإسلام المتلقى عن إمام الحنفاء، وأبي الأنبياء، وأنه من ملة إبراهيم التي أمرنا الله باتباعها، فحكى لنا قوله ليحصل الإقتداء به والإتباع له، ولم يحكِ قول أضيافه وإنما أخبر به على الجملة دون التفصيل والكيفية -والله أعلم-، فزن هذا الجواب والذي قبله بميزان غير عائل يظهر لك أقواهما".
هذا يسأل عن حكم صلاة النافلة على السيارة في الحضر؟