وبقية المؤلفين في السنة يجعلون الإيمان كتاب، كتاب مستقل، يفتتحون به الكتب، فالبخاري مفتتح بعد بدء الوحي الذي هو كالمقدمة للكتاب؛ لأن الكتاب موضوعه وحي السنة {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(٣ - ٤) سورة النجم] ثم بعد ذلك بعد هذا الذي هو كالمقدمة لأنه ليس بكتاب، بدء الوحي ليس بكتاب، كالمقدمة للكتاب، ابتدأ البخاري بعد ذلك بكتاب الإيمان، ومسلم بعد المقدمة بدأ بكتاب الإيمان، وابن ماجه -رحمه الله- قال: باب في الإيمان، والمسألة اصطلاح، لكن الإيمان شأنه عظيم، ينبغي أن يفرد بكتاب تام لا يلحق بغيره، والإيمان مرتبة من مراتب الدين كما سيأتي في حديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان، ويأتي بيانه وبيان أركانه -إن شاء الله تعالى-.
والأصل في الإيمان أنه التصديق {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا} [(١٧) سورة يوسف] أي مصدق، هذه حقيقته اللغوية، والشرع إذا جاء بحقيقة شرعية فإنه لا يلغي الحقيقة اللغوية وإنما يزيد عليها، يزيد عليها قيود تناسبه، كما هو الشأن في الصلاة والزكاة وغيرها، فالصلاة في اللغة: الدعاء، والصلاة في الشرع: دعاء وزيادة، الزكاة في اللغة: النماء، والزكاة الشرعية نماء وزيادة، وهكذا، والصوم في اللغة: الإمساك، وهو في الشرع إمساك من نوع مخصوص، ويأتي تعريفه في حديث جبريل -إن شاء الله تعالى-.
قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد الطنافسي" الطنافسي الطنافس: جمع طنفسة، والنسبة إلى الجمع عند أهل العلم شاذة، يعني إذا أردت أن تنسب إلى جمع ترده إلى مفرده، اللهم إلا إذا كان الجمع أشهر من المفرد، كما في الأنصار، نعم تقول: أنصاري، الأنصار جمع ناصر، فلما كانت النسبة إلى الجمع أو كان الجمع أشهر من المفرد نسب إليه.