"جاء مشركو قريش إلى النبي -عليه الصلاة والسلام يخاصمونه في القدر" ومن ذلك قولهم: {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(١٤٨) سورة الأنعام] فهم يحتجون بالمشيئة والقدر على فعلهم الشنيع الذي هو أعظم الذنوب الشرك، ولا حجة لهم فيه؛ لأن الله -جل وعلا- هداهم ودلهم إلى الصراط المستقيم، وهداهم النجدين، لكنهم ما قبلوا، وأعرضوا وأشركوا، فهم يلامون على شركهم، ويؤخذون عليه، ولا حجة لهم بعد أن بلغهم القرآن، وما أنزل الله -جل وعلا- على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وكل شيء مخلوق بقدر من الله -جل وعلا-، ولا يحدث في ملكه -جل وعلا- إلا ما يشاءه ويريده إرادة كونية، وإن لم يرده إرادة شرعية، فيحصل ما يريده الله -جل وعلا- كوناً وقدراً كالشرك والكفر والنفاق والعصيان، وكل هذه مراده لله -جل وعلا- قدراً، وإن كان الله -جل وعلا- لا يريدها شرعاً، بل نهى عنها وحذر منها، ورتب عليها العقوبات، فلا مستدل لهم، ولا مستمسك لهم بالقدر، واحتجوا به على المعيبة التي ارتكبوها وهي الشرك، لكن القدر إنما يحتج به على المصائب لا على المعايب، ولذلك نزل قوله -جل وعلا-: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [(٤٨) سورة القمر] لأنهم أشركوا بالله، وإن احتجوا بما احتجوا به من القدر، فإنه لا حجة لهم فيه، والله -جل وعلا- كل شيء خلقه بقدر، لا يقال: إنهم احتجوا بالقدر فلا قدر نفياً لحجتهم، لا، كل شيء مخلوق بقدر، لكن مع ذلك تجتمع الإرادتان –أعني الكونية والشرعية- في إيمان المؤمن، وتنفرد الكونية في شرك المشرك، لكن هل توجد الإرادة الشرعية دون الإرادة الكونية؟ لا يمكن، إنما توجد الإرادة الكونية دون وجود للإرادة الشرعية، يعني ما يمكن أن يؤمن مؤمن والله -جل وعلا- لا يريد منه الإيمان؟ نقول: تنفرد الإرادة الشرعية دون الكونية.