نعم يعني عمره قصير جداً، ومع ذلك أنتج من العلم والتأليف والطلاب الشيء الكثير، يعني له كتب لا نظير لها، وحصل بها من النفع ما لم يحصل بغيره إلا القليل النادر، يعني من منة الله عليه، وإنزال البركة في عمره أن ألف مثل رياض الصالحين، رياض الصالحين في مساجد الدنيا يقرأ، ويقال: قال -رحمه الله تعالى-، وكتابه المجموع شرح المهذب لو اجتمعت جامعات الدنيا تؤلف مثله ما استطاعت، ولو كمل لو قدر كماله لأغنى عن كثير من كتب الفقه، وعندي أنه في قسم العبادات لا نظير له، والله المستعان.
فهذه الزيادة في البركة معنوية، وليست زيادة حسية، وكم من شخص يمكث مائة سنة ثم يموت ولا شيء وكأنه ما وطئ على الأرض، فليحرص الإنسان على مثل هذه الأسباب التي تكون سبباً في نزول البركة في عمره، وفي جهده، وفي عمله.
((ولا يرد القدر إلا الدعاء)) الدعاء من القدر، ومع ذلك يرد القدر، كيف يرد القدر؟ الإنسان مكتوب عليه هذا الشيء إلا إذا دعا برفعه، والقدر مع الدعاء يعتلجان، والدعاء شأنه عظيم، وجاءت النصوص بأنه هو العبادة {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [(٧٧) سورة الفرقان] فالدعاء شأنه عظيم، وإذا دعا المسلم وبذل السبب وحرص على انتفاء الموانع التي من أعظمها وأشدها أكل الحرام، فإن الله -جل وعلا- لن يخيبه، فإما أن يستجيب دعوته التي دعا بها، وإما أن يدخر له هذه الدعوة إلى وقت هو أحوج ما يكون إليها، وإما أن يرفع عنه من البلاء بقدرها وأعظم، فلن يخيب على كل حال إذا بذل السبب، أسباب القبول ونفى الموانع، حرص على انتفاء الموانع، أما إذا وجدت الموانع فيدعو أو لا يدعو لا فرق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول:((يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له)) يعني الأسباب موجودة، أشعث، أغبر، مسافر، يمد يديه يرفع يديه من أسباب الإجابة رفع اليدين، والسفر أيضاً مظنة إجابة، وكون الإنسان أشعث أغبر منكسر القلب أيضاً مظنة إجابة، لكن وجود المانع مانع، يأكل حرام ويدعو الله -جل وعلا-؟! ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)).