قال القاضي عياض:"إنما أراد الإمام أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقدون مذهب أهل الحديث" يعتقد مذهب أهل الحديث وهو ليس من أهل الحديث إلا بالمتابعة لهم في الاعتقاد، والقاضي عياض يقول هذا الكلام وعنده شيء من التأويل، يعني نجد كلام أهل العلم في تعظيم مذهب أهل السنة والجماعة، ومع ذلك هم يخالفونه، كالقاضي عياض والنووي وغيرهما من الشراح، يعني حينما يقول القاضي عياض:"إنما أراد الإمام أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقدون مذهب أهل الحديث" هو يقول هذا الكلام ويخالفه، أو أنه يظن أنه يتبعه؟ جميع الطوائف وإن كانت مخالفة للسنة، ومشتملة على شيء من البدع، إلا أنهم يدعون أنهم أهل الحق، وأنهم هم أهل الحديث، وأنهم هم أهل السنة والجماعة، لكن العبرة بالواقع، اللهم إلا الرافضة هم الذين لا يزعمون أنهم أهل سنة، بل يتبرؤون من السنة وأهل السنة، وأما جميع الطوائف فكلهم يزعمون أنهم هم أهل السنة، فالدعاوى إذا لم تقم عليها البينات فأصحابها أدعياء.
نعود إلى قول الإمام البخاري:"هم أهل العلم" وقول الإمام أحمد وليس بينهما خلاف؛ لأن مراد الإمام البخاري بأهل العلم أنهم أهل الكتاب والسنة؛ لأن العلم الشرعي الذي جاء مدحه في النصوص لا يتناول غير العلم الشرعي، والعلم الشرعي لا يستحق أن يسمى علماً شرعياً إلا إذا اعتمد على نصوص الشرع من الكتاب والسنة، ولا يظن بأحمد أنه يقول أهل الحديث الذين لا يعرفون القرآن، ولا عناية لهم بالقرآن.
قد يقول قائل: إن الإمام أحمد يخرج المفسرين، يخرج الفقهاء، يخرج الأصوليين، يخرج من تخصص في الاعتقاد مثلاً، نقول: لا، لا يخرج أحداً من ذلك، فالمفسر الذي يستحق أن يسمى مفسر هو الذي يفسر القرآن بالقرآن ويفسره بالسنة؛ لأن وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام- البيان، بيان ما نزل إليه، فالسنة تفسر القرآن، فلا يمكن انفكاك السنة من القرآن، فالمفسر الذي على الجادة لا يخرج من قول أحمد؛ لأنه لا بد أن يفسر القرآن بالسنة، فيكون من أهل الحديث، أما من يفسر القرآن بالرأي فلا يدخل، لا يدخل من يفسر القرآن بالرأي؛ لأنه جاء التحذير من تفسير القرآن بالرأي، وإن زعم أنه مفسر.