ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما وأرضاه- توسع في أمور الدنيا أكثر من ابن عمر، وإلا فعلمه وزهده وورعه وتقواه وعبادته لا تحتاج إلى استدلال، لكنه بالنسبة إلى عبد الله بن عمر الذي لا ينام من الليل إلا قليلاً، ولا يكاد يفطر بالأيام إلا قليلاً، يعني الفرق بينهما واضح، فهذا همه -يعني ابن عمر- الآخرة، لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) فكان عبد الله يقول كما في الصحيح: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" مثل هذا العوام يثقون به بخلاف من توسع بالدنيا ولو عرف بالعلم، ولا شك أن الزهد مطلوب، والإنسان عموماً الجن والإنس إنما خلقوا لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ومع ذلك على الإنسان أن لا ينسى نصيبه من الدنيا، وبون شاسع من أن يكون جل همه الدنيا، وبين أن يكون همه الآخرة.
ووجد في العصور المتأخرة مما ينتسب إلى العلم، ممن يزاحم في أمور الدنيا، وليس من ذلكم ابن عباس -رضي الله عنهما وأرضاه- وإن قيل؛ لأن المسألة أمور نسبية، يعني إذا نسبنا ابن عباس إلى ابن عمر قلنا: العبادة عند ابن عمر أوضح، والاهتمام بالعلم عند ابن عباس أوضح، وكلاهما في عبادة، لكن العوام ينظرون إلى العبادات العملية، ما ينظرون إلى العبادات العلمية.