الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي هذه الساعة المباركة، من هذا اليوم الطيب المبارك نلتقي بالإخوة من طلاب العلم، ونتدارس موضوعاً من أهم الموضوعات، وفناً من أعظم الفنون، وهو فن الاعتقاد والعقيدة، وإن كان الدين بجميع أبوابه في غاية الأهمية بالنسبة للعالم والمتعلم، فقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث معاوية -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) مفهومه أن الذي لا يتفقه في الدين الله -جل وعلا- لم يرد به خيراً، ولكن قد يقول قائل: إن عوام المسلمين وقد فتح لهم ما فتح من أبواب الخير، من لزوم صلاة وزكاة وصوم وحج وفعل للمأمورات وترك للمحذورات، لكنهم لم يتفقهوا في الدين، هل أراد الله بهم شراً؟ أو نكتفي بقولنا: إن الله -جل وعلا- لم يرد به خيراً؟
ولو افترضنا أن شخصاً من عوام المسلمين ممن لا يقرأ ولا يكتب، لكن الله -جل وعلا- منَّ عليه بالاستقامة، فلزم الصلوات، وأدى الزكوات، وقد يكون من أهل الأموال الطائلة، وسخر هذه الأموال لخدمة الدين، وأنفقها في تعليم الناس الخير، هل نقول: إن الله -جل وعلا- أراد بهذا شراً؛ لأنه لم يتفقه في الدين؟ أو نكتفي بقولنا: إن الله -جل وعلا- لم يرد به خيراً؟ الخير المرتب على الفقه في الدين، والله -جل وعلا- وإن لم يرد به خيراً؛ لأنه لم يتفقه في الدين إلا أن الله -جل وعلا- أراد به خيراً حيث ألزمه الاستقامة ((قل آمنت بالله ثم استقم)) {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [(٣٠) سورة فصلت] فهذا استقام بفعل الأوامر، وترك المحذورات والنواهي، وبذل من نفسه وماله وجاهه لنصر الدين ما بذل، هذا أراد الله به خيراً، لكنه من أبواب أخرى لا من باب الفقه في الدين.
إذا عرفنا هذا فما المراد بالفقه في الدين؟ الفقه في الدين، أولاً: الفقه الذي هو الجزء الأول، والدين الذي هو الجزء الثاني.