الحنفية ألفوا من مؤلفاتهم: أحكام القرآن للجصاص، المالكية ألفوا أحكام القرآن لابن العربي، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، الشافعية ألفوا أحكام القرآن لإلكيا الطبري، والإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي وغيرهم، فهذا يخدم جانب، والأول يخدم جانب، وهناك من يخدم القرآن من الناحية اللفظية، فتجده ينصب جل اهتمامه على الصناعة، صناعة اللفظ، وهنا أيضاً يتشعبون، منهم من يخدمه من ناحية النحو والصرف، ومنهم من يخدمه من ناحية المعاني والبيان وفنون البلاغة، ومنهم من يحشد في تفسيره علم الكلام، ويورد فيه جميع ما كتبه المتكلمون في مسائل المعتقدات، كالرازي مثلاً، ومنهم من يخدم القرآن بأسلوب أدبي سلس يقرأه الطالب ولا يمله، لكن تجد الفائدة في الجملة منه أقل، ومنهم من يعنى بتناسب الآيات والسور، وفي هذا كتاب برهان الدين البقاعي (نظم الدرر) في اثنين وعشرين مجلد، وإن كان الشوكاني -رحمه الله تعالى- أنكر عليه إنكاراً شديداً، بل جزم بأنه لا مناسبة بين الآيات والسور، تنزل الآية فيقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ضعوها في المكان المناسب فتوضع، وانتهى الإشكال، نعم هناك آيات لا شك أن التماس المناسبة بينها وبين ما قبلها فيه شيء من التكلف، لكن لا ينكر أن كثير مما يقوله البقاعي وغيره ظاهر وواضح، نعم، فخدمة القرآن لو اجتمعت هذه الخدمات في كتاب واحد فبينت العقائد وبسطت بحيث يستغنى بتفسير القرآن عن كتب العقائد، والأحكام أيضاً استنبطت، ويعول في ذلك على ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك بين في الصناعة اللفظية ما يخدم علم النحو والصرف والبيان والمعاني والبديع والاشتقاق والوضع بعد علم القراءات وغيرها، فهذا طيب، لو وجد كتاب يغني عن المجموع، ويمثل لنا حينئذٍ طريقة السلف في فهم القرآن، ما تجد السلف يقولون: هذا كتاب فقه، وهذا كتاب حديث، وهذا كتاب تفسير، وهذا ... لا، لا يتجاوزون العشرة آيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، ابن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنين يتعلم سورة البقرة، وعندنا الصبيان يحفظون سورة البقرة، ويتجاوزونها في أيام.