فأقول: الجرأة أحياناً تكون مذمومة وهذا هو الغالب لا سيما بالنسبة لمن لم يتأهل، وأما بالنسبة للمتأهل فالجبن مذموم؛ لأنه يأتي مواقف لا بد من حسمها، وقد يكون هذا في تصور بعض الطلاب ما نصنعه في الدرس، نستطرد ونذكر المسائل والأدلة ثم إنه يعيا، نعم ما في راجح، هذا جبن، أحياناً نذكر الحديث ولا ننقل تصحيحه وتضعيفه عن غيره، مع أنه الحمد لله يعني بإمكاننا أن نصل إلى القول الراجح، لكن أنا كررت مراراً أننا بين يدي طلاب علم ليس المجال مجال تلقين، ليس المجال مجال تلقين، وإلا بإمكاننا نأتي بما نختاره من غير استطراد كما يفعله كثير من شيوخنا الذين يقصدون من أجل معرفة أقوالهم في المسائل، يعني الذي يأتي لشيخ كبير لا يريد اختياره، وإلا ارجع للكتب، لكن حنا عندنا ما جاء الطلاب لمعرفة رأي فلان وإلا علان، يبون العلم مبسوط ويدركون منه ما يدركون، ويقيسون عليه ما لا يدركون، وهذا نوع من أنواع التربية، تربية طلاب العلم، يعني كثيراً ما يقال: إن الشيخ ابن باز -رحمه الله- تكلم عن الحديث بدقيقتين ثلاث، وأنت تتكلم عليه بساعتين، قلت: يا أخي اللي يجون يبون، اللي يجون للشيخ يبون رأي الشيخ، ما هم منتظرين من الشيخ يذكر خلافات وعلل وأسباب واستطرادات ولوازم ما ينظرون من الشيخ هذا، يبون رأي الشيخ؛ لأن الشيخ إمام، رأيه على العين والرأس يسلم به، لكن يجون طالب علم، يعني يتعلم مثل بقية الطلاب لا، يبون شيء يطلعوه له من بطون الكتب، واستطرادات وتنبيش وأشياء تنبههم على مسائل كانوا غافلين عنها، ففرق بين هذا وهذا، الجرأة التي يقصدها لا شك أنها لا تستند إلى أصل، ولذلك يقول:
فقد تعدى واستطال واجترأ ... وخاض في بحر الهلاك وافترى
خاض، خاض غمرات البحر، وغاص في لججه، بحر إيش؟ بحر العلوم، بحر الهلاك، خاض في بحر الهلاك؛ لأن كل الخير، الخير كل الخير في اتباع من سلف، كل الخير في اتباع من سلف، كل الخير في الاقتداء والاتباع للنصوص، أما الابتداع فقد كفيناه، خلاص عندنا نصوص، وكل بدعة ضلالة.
"وافترى": الافتراء هو الكذب، وكذب على الله وعلى رسوله وعلى سلف هذه الأمة وأئمتها.