للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (١)، فإنه يدل على أن أفعاله في الصلاة بيان لإجمال الآيات التي فيها الأمر بإقامة الصلاة، فلا يجوز العدول عن شيء من تلك الأفعال الصادرة منه - صلى الله عليه وسلم - لبيان تلك الآيات القرآنية إلَّا بدليل من كتاب أو سنة يجب الرجوع إليه، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لتأخذوا عني مناسككم" (٢) فإنه يدل على أن أفعاله في الحج بيان لإجمال آيات الحج فلا يجوز العدول عن شيء منها لبدل آخر إلّا لدليل يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة.

وإذا علمت هذا فاعلم أن الله جل وعلا قال في كتابه العزيز: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] فصرح في هذه الآية بأن المكان الذي عَلمُهُ الصفا، والمكان الذي عَلَمُهُ المروة، من شعائر الله. ومعلوم أن الصفا والمروة كلاهما علم لمكان معين وهو علم شخص لا علم جنس بلا نزاع ولا خلاف بين أهل اللسان، في أن العلم يعين مسماه أي يشخصه، فإن كان علم شخص كما هنا شخَّص مسماه في الخارج بمعنى أنه لا يدخل في مسماه شيء آخر غير ذلك الشخص عاقلًا كان أو غير عاقل، وإن كان علم جنس شخص مسماه في الذهن، وليس البحث في ذلك من غرضنا.

وبما ذكرنا تعلم أن ما ذكر الله في الآية أنه من شعائر الله هو شخص الصفا وشخص المروة، أي الحقيقة المعبر عنها بهذا العلم الشخصي ولا يدخل شيء آخر ألبتة في ذلك؛ لتعين المسمى بعلمه


(١) هذا قطعة من حديث مالك بن الحويرث، وقد أخرجه بهذا اللفظ البخاري: (الصحيح مع الفتح: ٢/ ١١١)، وأحمد: ٥/ ٥٣، والدارمي: ١/ ٢٣٠.
(٢) أخرجه مسلم: ١٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>