فقولنا: الله عليم وحكيم، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والضدان لا يجتمعان، قضايا لا تختلف أحكامها كما تختلف الأحكام العادية إكرامًا من الله لأوليائه، أو إثباتًا لرسالة رسله، وكما تختلف الأحكام الشرعية الفرعية بنسخ أو استثناء، وليس المراد أنها تثبت بالعقل دون نصوص الشرع، فإن نصوص الشرع قد جاءت بأصول الدين، وكشفت للعقل عما خفي عليه، وقصر عن إدراكه من تفاصيل عقائد التوحيد، وسلكت به طريق الحق، وهدته إلى سواء السبيل.
ولولا ما جاء فيها من البيان لارتَكَسَ العقل في حمأة الضلالة، وقام للناس العذر، وسقطِ عنهم التكليف، قال الله - تعالى-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: ١٥] وقال: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: ١٦٥] وقال: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه: ١٣٤] بل جاءت الرسل بما تُحار في إدراك حقيقته العقول، وتعجز عن فهم كُنْههِ الأفكار: كسؤال الميت في قبره، ونعيمه، وعذابه، وحياة أهَل النار في