للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالسؤال هنا عن جنس المنفَق، فعدل عنه في الجواب إلى ذكر المنفق عليه؛ لأنه أهم وأنه من الأولى أن يعتنى بالسؤال عنه.

وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] (١) فالصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الهلال لِمَ يبدو صغيرا ثم لا يزال يتزايد حتى يكبر، فجاء الجواب الرباني بالعدول عن جوابه إلى ما هو أهم منه وأنفع في معرفة الأهلة، وكونها مواقيت للناس لعبادتهم وحجهم وحقوقهم وغيرها.

وفي السنة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس» (٢) . فالرجل سأل عن الأشياء التي يلبسها المحرم فعدل الرسول صلى الله عليه وسلم بالجواب إلى الأشياء التي لا يلبسها المحرم؛ لأن الأليق بالسائل السؤال عما يتركه فعدل عن مطابقته إلى ما هو أولى، وهذا الأسلوب يسميه بعض علماء المعاني الأسلوب الحكيم.

[حسم مادة الشر عند المستفتي]

٣ - حسم مادة الشر عند المستفتي: فقد يكون المستفتي ناويا الشر، عاقدا العزم عليه، وقد بدت علاماته عليه، ويريد مسوغا شرعيا لذلك، فمن الحكمة أن يجتهد الداعية في حاله، وألا يعطيه ما يريد، وقد روي أن رجلا جاء لابن عباس يسأله عن القاتل، هل له توبة؟ فقال: لا، فقيل لابن عباس في ذلك، فقال: رأيته يريد القتل، فخشيت أن يهلك (٣) .


(١) البقرة: ١٨٩.
(٢) أخرجه: البخاري (٣ / ٤٠١) ، ومسلم (٨ / ٧٣) .
(٣) أخرجه السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٦٢٩) وقال: " أخرجه عبد بن حميد، والنحاس عن سعد بن عبيدة أن ابن عباس كان يقول. . . "، ويمكن أن يُمثَّل هنا أيضا بكثير من المستفتين في الأمور المالية، فالسائل يبدو وكأنه يريد انتزاع الفتوى ليبرر معاملته بأي شكل كان، فلا بد للمفتي أن يكون حكيما وأن يستفصل من السائل لئلا يُخدع من قبل بعض المستفتين.

<<  <   >  >>