للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولننتقل الآن إلى واقع المسرفين وكيفية الإنكار عليهم.

ففي الأساليب المتقدمة سقنا أمثلة عديدة، يصلح كثير منها للتمثيل به هنا.

فمن السنة النبوية:

- ما جاء «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: " نعم، وإن كنت على نهر جار» (١) .

والإنكار هنا إنكار بالقول وهو واضح.

وصح «أن أبا حدرد أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه في مهر امرأة، فقال: " كم أمهرتها؟ " قال: مائتي درهم، قال: " لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم» (٢) .

وفي هذا يعجب صلى الله عليه وسلم من أبي حدرد التزامه بهذا المبلغ الكبير (مائتي درهم) مع أنه لا يجدها، وكأنه يغرف من بطحان وهو واد في المدينة.

أما معاقبة المسرفين بالعقوبة المادية، كالغرامة أو إتلاف بعض المال الواقع فيه الإسراف، أو التعزير بالضرب والسجن ونحو ذلك، فهذا من الأمور الدقيقة والخفية التي تحتاج إلى فقه عميق.

وإذا كانت هذه العقوبات مشروعة في جملتها لكثير من المخالفات والجرائم بحسبها (٣) فإن آحاد الناس لا يستطيع القيام بشيء منها، بل هي إلى من بيده الأمر، كالقاضي والأمير والمحتسب ونحوهم.

وقد جاء في قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم ٥٢ وتاريخ


(١) رواه الإمام أحمد في المسند ٢ / ٢٢١، وابن ماجه في سننه، ك: الطهارة - الباب ٤٨، قال ملا علي قاري: سنده حسن (انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٢ / ٢٩) .
(٢) رواه الإمام أحمد في المسند ٣ / ٤٤٨، والحاكم في المستدرك ٢ / ١٧٨ وصححه ووافقه الذهبي. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٢: رجال أحمد رجال الصحيح.
(٣) انظر: الحسبة لابن تيمية ص٨٩ فما بعدها، والطرق الحكمية لابن القيم، تحقيق محمد حامد الفقي، والإسلام عقيدة وشريعة لمحمود شلتوت: ص٢٩٤ - دار الشروق - الطبعة العاشرة.

<<  <   >  >>