للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس ذلك من الإسراف في شيء (١) .

قال ابن مفلح المقدسي (ت ٧٦٣ هـ) : " اعلم أن المسكن لا بد للإنسان منه في الجملة، فيجب تحصيله لنفسه ولمن تلزمه نفقته، ومثل هذا يعاقب على تركه ويثاب على فعله، وموته عنه كبقية ماله المخلف عنه لورثته يثاب عليه. . . وأما الزيادة على ذلك فإن كانت يسيرة لا تعد في العادة والعرف إسرافا واعتداء ومجاوزة للحد فلا بأس بها ولا تكره، وهل يثاب عليها؟ يحتمل وجهين " (٢) .

والمتأمل في واقع الحضارات العالمية - قديمها وحديثها - يلحظ من خلال ما يراه ويدركه من العمران الحي أو ما بقيت آثاره وأطلاله، أن البشر - ومنهم المسلمون - كانوا يتنافسون في البنيان والعمران إشادة وزخرفة، وأن ذلك كان من مظاهر الترف عندهم، لكن المسلمون كما يقول ابن خلدون (٣) (ت ٨٠٨ هـ) : " كان الدين أول الأمر مانعا من المغالاة في البنيان والإسراف فيه في غير القصد. . . فلما بعد العهد بالدين والتحرج في أمثال هذه المقاصد وغلبت طبيعة الملل والترف واستخدم العرب أمة الفرس وأخذوا عنهم الصنائع والمباني ودعتهم إليها أحوال الدعة والترف فحينئذ شيدوا المباني والمصانع، وكان عهد ذلك قريبا بانقراض الدولة ولم ينفسح الأمر لكثرة البناء واختطاط المدن والأمصار إلا قليلا، وليس كذلك غيرهم من الأمم، فالفرس طالت مدتهم آلافا من السنين وكذلك القبط والنبط. . . طالت آمادهم ورسخت الصنائع فيهم ".

والمجتمعات المسلمة في عهدها الحاضر يعصف بها تياران متعارضان، أحدهما: تيار الفقر والخوف والاضطهاد، كما هو ملحوظ في بعض البلدان التي


(١) انظر: أحكام القرآن لابن العربي ٣ / ١١٦٧ - ١١٦٨.
(٢) الآداب الشرعية ٣ / ٤٠٩، وينظر كتاب مراتب الإجماع لابن حزم ص١٥٥.
(٣) المقدمة ص٣٥٨.

<<  <   >  >>