فيمَا بين عام ١٣٧٣ - ١٣٧٨هـ كنت أسمع أخبار عبد الكريم الجرباء " أبو خوذه " وصفوق الجرباء، على لسان محمد بن يحيان - رحمه الله - وبعض من يفدون إلى شقراء في رمضان ممن يتلقفهم الَوْالد - رحمه الله -. وبقي من أذكارهم العاطرة ظلٌ في ذاكرتي كأعقاب الحُلَمْ ومنذ سنة عندمَا بدأت تأليف كتابي " ديوان الشعر العامي " تلقفت عن آل الجرباء كغيرهم من الأسر أشتاتاً من هنا وهناك لتكون ذخيرتي في تفسير هذا الشعر فحسب، ولَمْ أَدْرِ أن هذه الشذرات ستكون بحثاً منهجياً عن أُسرة آل الجرباء، وقد نشرته إفادات متفرقة في الجزء الثاني من " ديوان الشعر العامي " ثم زودني شيخي حمد الجاسر بإفادات جديدة من كتاب " مطالع السعود " لابن سند، وإفادة واحدة من مجلة " لغة العرب " التي يصدرها أنستاس الكرملي ثم ناولني مَا ينقصني من كتاب " عشائر العراق " وهو الجزء الأول الذي توسع في الحديث عن آل الجرباء مع تصحيحاته لَمْسودات هذا البحث إلى معلَوْمَات أخرى تجمعت عندي فآثرت إفراد آل الجرباء ببحث مستقل. ولا ريب أن الَوْمضات عنهم في كتب التاريخ والأنساب لا تعطي صورة كاملة، فاستعنت - بعد الله - بالرواية الشفهية والشعر العامي في تتميم هذه الصورة. وفاتني من الَمْصادر كتاب " عشائر الشام " لَوْصفي ذكريا. وأُسرة آل الجرباء من الأُسر التي تفتخر بلادنا بأمجادها عندمَا رحلت إلى العراق وسوريا، فكانت بناءً وطنياً في هذين القطرين، وكونت أدباً نجدياً هناك، ونشرت عادات وتقاليد البلد الذي رحلت منه، إلا إن ممَا لا يُحْمَدُ للشمَامرة هناك الإخلالُ بالأمن، وإعادة سنة السلب والنهب والثارات الجاهلية. روى عبد الجبار الراوي أن فرحان باشا بن صُفُوق الجرباء قال لأهل قرية الَمْشاهدة بالعراق وقد أعجبته ضخامة أجسامهم: لَمْاذا لا تغزون؟ فقالَوْا: لا نحسن الغزو ولا نستطيعه. فقال: اغزوا من هو أطقع منكم!! ومن معاناتي لهذا البحث بدا لي أنَّ مَا كان مغموراً من تاريخنا يمكن أن يشبع بملاحظات عناصر أرجو أن يعنى بها شيخنا حمد الجاسر، ومن نهج لهم الَمْسلك ممن سيأتون بعده. وهذه العناصر تتلخص في التالي: ١ - الاعتناء بتاريخ وأنساب وآداب الأقطار الأخرى، حيث ارتحال الأُسر والبوادي. وتعاقب الأحداث الأخرى يربط نجداً بغيرها، فربمَا وجدنا في تواريخ الحجاز عن نجد مَا لا نجده في كتب تاريخ نجد.
جانا من " الْعارِض " ركَيْبٍ يِهِيْفِ ... يِتْلَوْن ابن عَرُّوْجْ مِقْدِم بِني لاَمْ
وأَكثر مَا نجده عند أَهل نجد قولهم: ابن عَروْج آخر ملوك بني لام. وتظل القصة عندنا كالأسطورة فترمي بنا الَمْصادفات إلى كتب أهل العراق فنجد في كتاب " أَنساب العشائر العربية في النجف الأَشرف " لناجي وداعة الشريس توثيقات تاريخية تؤكد الرواية الأَدبية النجدية. فقد ذكر الشريس أُسرةً في النجف تعرف بآل شُكْرٍ، من آل حَدِيدِ الأَحسائي، وهو شكر بن محمد بن شكر بن حمود ابن علي الأَحسائي من أَحفاد يوسف بن حَديد بن عَرُّوْج من آل غَزِّيِّ من الْفُضُوْل من بني لاَمٍ. وكتاب الشريس ليس من نوع التخرصات التي توجد عند مؤرخينا ونَسَّابينا، فقد اعتمد على أَوراق أَوقاف ومواريث كوقفية لآل ثابت، مؤرخة في ٩٨٠هـ ووقفية للحاج ناصر ابن علي الأَحسائي، مؤرخة في ١١٧٤هـ ووقفية لشكر بن حمود آل حَديد، مؤرخة في ١٢٢٥هـ. ونقل عن كتاب " أَنساب العرب " لسمير عبد الرزاق القطب أَن حديد بن عروج آخر من بقي في نجد من عشيرة آل غِزي من الفضول، وذكر عنه أَن رئاسة حديد بعد عجل ابن حنيتم، وقد تولى بعده محمد بن حديد. وقد أَفدت من هذا الكتاب في ربط سلسلة النسب بين آل فارس وآل رشيد وآل علي. وسيستفاد منه في ربط السلسة لبعض الأُسر الَمْتحضرة من البوادي. فَضَمَّ مِثْلِ هذه الإفاداتِ يُبَلَوْرُ ويمحِّصُ بعضَ معلَوْمَات النسابين والَمْؤرخين في نجد.