أ - في سنة ١٢٠٥هـ جهز شريف مكة غالب بن مساعد أخاه عبد العزيز، بجيش اشتركت فيه بعض البوادي، لَمْهاجمة الدرعية، ثم خرج غالب بجيش عظيم، لأمداد أخيه، ثم لَمْا انهزمَا بعد محاصرتهمَا لبلد الشعراء، بدأ سعود بن عبد العزيز يغير على القبائل التي تمردت، وانضمت إلى الشريف، ومن هؤلاء مُطَيْرٍ وشَمَّر، كانوا على الَمْاء الَمْعروف بِالْعُدْوَةِ لشمر، قرب حائل، ورئيسهم حصان إبليس. وقد قصدهم الإمَام سعود في هذا الَمْكان، فهزمهم، وقُتل في الَمْعركة رئيسهم مسعود " حصان إبليس " وسمرة "؟ " الَمْشهور رئيس العبيات من مُطَيْرٍ، وأبو هُليبة من مُطَيْرٍ. وكانت هذه الَوْقعة في آخر ذي الحجة من هذا العام. إلا أن هؤلاء القوم بعد انهزامهم استنفروا بقية قبائلهم، وأرسلَوْا إلى سعود يدعونه للَمْنازلة، وينذرونه بمسيرهم إليه، وكان في مكانه بالعدوة، يقسم الغنائم، فثبت لهم بعد مَا وصلَوْا إليه بزعامة مسلط بن مطلق الجرباء، الذي نذر أن يخترق " صيوان " سعودٍ بفرسه. وقد أرخى مسلط عنان فرسه ليتم نذره، فاختطفه قوم سعود بعد مَا ضربه رجل بعود يشوي به القرص، فطرحه عن جواده، ومن ثم قُتل وأنهزم اتباعه. وكانوا عندمَا قدموا عليه أقبلَوْا مقرنين إبلهم، فثبت لهم سعود وجيشه، وأوقدوا فيهم وفي إبلهم بالرصاص، فلَمْا انهزموا تركوا إبلهم مقرنة بالحبال، فغنم منهم سعود أحد عشر ألف بعير، وأكثر من ألف من الغنم، وتبع أثرهم يومين يأخذ الأموال ويقتل الرجال. وقد كان مطلق الجرباء والد مسلط، يرى التريث في مهاجمة آل سعود، بعد هزيمتهم الأولى بالعدوة، ويقال: إن هذه القصيدة لَمْسلط الجرباء قيلت في هذه الَمْناسبة:
عَدَّيتْ روس مْشَمْرخاتَ الَمْراقيبْ ... رِجْمٍ طويلٍ نايْفٍ مِقْلِحِزِّ
جرَّيْتَ صوتٍ مثل مَاجَرّه الذيْبْ ... أَوْجِسْ ضميري من ضلَوْعي يِنز
خوفي من اللِّيْ روُسهم كالْجعابِيْبْ ... وسيفٍ على غيرَ الَمْفاصِلَ يِجِز
لا صار مَانَاتِي سْواةَ الجلالِيبْ ... بْقَلاَيْعٍ بَايْمَاننا لَهْ نِخِزِّ
احسن تصبَّر واجمل الصبر بالطيبْ ... هذِي حياةٍ كلّ ابوها تَلَزِّيْ
والحر لا صكَّتْ عليه الَمْغاليبْ ... ملزوم عن دار الَمْذلة ينِزِّ
قال أبو عبد الرحمن: البيت الأخير إيذان بالجلاء من جبل شمر، ومَا كان في نية مسلط الجلاء، والأشبه أن يكون هذا الشعر لَمْطلق الجرباء وال مسلط، وهذا مَا حصل بالفعل فبعد هزيمة شمر، وقتل مسلط، رحلت شمر بزعامة مطلق الجرباء إلى العراق، فاستقرت في منطقة الجزيرة وأصبح لها نفوذ قوي هناك. وقال ابن سند بأُسلَوْبه الأدبي العاطفي: وله أيام منها العدوة لسعود بن عبد العزيز عليه، وفي ذلك اليوم قتل ابنه مسلط، وكان شجاعاً هزبراً طاعن ذلك اليوم حتى كف كل رعيل، وقرى كل ذابل وصقيل، كيف ومطلق أبوه ذلك الباسل، ومحمد جده الذي تحامَاه القنابل، وأمَا مطلق فإنه في ذلك اليوم هزم الكتائب، وأروى من دم الفرسان كل سنان وقاضب:
قومٌ إذَا حَرَبُوا فآسادُ الشِّرَى ... وإذا هُمُ أَعْطَوْا فَأَبْحُرُ جُوْدِ
ياعيْن إِنْ مَاتُوا فقد مَاتَ النَّدَى ... فعليهم حُزْناً بِدَمْعِكِ جُودِي
خَاضوا الَوْغَا بصوارم وشياظم ... قُبِّ الْبُطُوْنِ، تَؤُمُّ جَيْشَ " سُعُوْدِ "
فتفرقتْ منه الْكَمَاةُ كَأنَّهمْ ... نَقَدٌ نوافِرُ منْ زَئِيْر أُسُوْدِ
لاَقَاهُمُ الأَسدُ الضُبَارِمُ " مطلقٌ " ... فتعلقوا بشليل كلِّ قَعَوْدِ
فلَمْا ضاقت على سعود الأوهاد والنجود، خان ابن هذال فلَمْ يكن لَمْطلق مجال، فنكص على العقب وهو يطاعن ذلك الجيش اللجب.
كلَمْا كَرَّ على فُرْسَانِهِ ... هربوا منه كَشَاةٍ مِنْ أَسَدْ
مَا رَأَوْا صَيْلَمْةً إلا رَأَوْا ... هَرَباً مِنْهُ وَإنْ كانَ أَسَدْ