للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وإمَّا تصديق)، ومن أَجْل ما قَرَّرْناه كان "عَرفَ" وما في معناه مِن مادته - مُتَعَدَّيًا إلى مفعولٍ واحدٍ، تقول: (عَرفْتُ زَيْدًا). أَيْ: تَصَوَّرْتُه، بلا زيادة على ذلك. بِخِلَاف "العِلم" وما تصرّف مِنْه؛ فإنه مُتَعدٍّ إلى مفعولين، تقول: (عَلِمْتُ زَيْدًا صائمًا). إذِ المقصود نِسْبةُ الصيام إلى زَيْد، فَتَوَقَّف عَلَى "مُسْنَدٍ" و"مُسْنَدٍ إليه".

فَمِن الأول قوله تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: ٥٨]، ومن الثاني قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: ١٠]، عَلَى أنه قد جاء "عَلِمَ" بمعنى "عَرفَ" فيتعدى لِوَاحدٍ، كقوله تعالى: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: ١٠١]، {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: ٧]، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} [غافر: ١٩]، {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ} [محمد: ٣١]، وغير ذلك.

واعْلَم أنَّ الفرق بَيْن "العِلْم" و"المعرفة" بذلك ذكره جماعةٌ كما قرره الماوردىُّ في تفسيره، وأَوْرَدَه ابن الحاجب في مختصره، ولكِن ذُكِرَ بينهما فُروقٌ أخرى، فَلْنَذكر أَحْسنها؛ تكميلًا للفائدة:

فَمِن ذلك أنَّ "المعرفة" تتعلق بالجزئيات، و"العِلْم" بالكُليات. قاله السهيلي في "نتائج الفِكَر"، ونقله غيْره عن ابن سِينا.

وقيل: "العِلْم" ما كان بدليل، و"المعرفة" ما كان فيه الإدراك أَوَّلِيًّا بِلَا استدلال. ذكره ابن الخشاب، لكن يَلْزَم منه أنَّ "العِلم" لا يَكون إلَّا نَظَرِيًّا، ولا يَكون ضروريًّا، وهو ضعيف كما سبق؛ ولذلك لَمْ أعُد مِن إطلاقات "العلم" ما كان لدليل فقط.

وقِيل: "المعرفة" عِلم الشيء مِن حيث تفصيله، بِخِلَاف "العلم"؛ فإنه المتعلق بالشيء مُجْمَلًا ومُفَصَّلًا. ذكره العسكري في "الفروق" (١).


(١) الفروق اللغوية للعسكري (ص ٨٠)، الناشر: دار العلم والثقافة - القاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>