مما لا نزاع فيه أن المقصود من دَفْن جثث الموتى، إنما هو مواراتها، قال الله عزَّ وجلّ في قصة ابني آدم:{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ... } الآية [المائدة: ٣١].
وعليه، فالأصل أن يُقْتَصر على القدر الكافي للمواراة.
وهل يجوز أن يتعدّى ذلك؟
لا خلاف أن القبر إذا كان بمقبرة مُسَبَّلة لم يجز أن يتعدّى به القدر الكافي، لأن التعدي تصرُّفٌ في غير حق، سواءً أكان التعدي بالإفراط في توسعة القبر، أم بالبناء عليه، أم بإحكام رَدْمه حتى يشقّ حَفرُه.
أما الإفراط في التوسعة والبناء على القبر، فواضحٌ؛ لأنه لا حقَّ إلا في القدر الكافي.
وأما إحكام الرَّدْم حتى يشقّ الحفر؛ فلأنه لا حقَّ للجثة في تلك البقعة، إلا ما دامت محتاجةً للمواراة، فإذا صارت ترابًا زال الحق [ص ٢٥] لزوال المقتضي، وإذا صارت عظامًا لم يكن الحق إلا في القدر الكافي لتلك العظام.
إذا فهمتَ هذا، فلا شك أن لأولياء الموتى الحق في حفر القبور في أي موضعٍ كان من المقبرة المُسَبَّلة ما دام غير مشغول بحق آخر، فلهم الحق بالحفر في موضع القبر الذي يُظَن أن الجثة التي فيه قد أَرِمت، فإذا كان