وتقرير الاستدلال بالآية (١): أن قوله عزَّ وجلّ قبلها: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ... ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ... } إلخ، يدل أنهم ماتوا، فتنازع الحاضرون في شأنهم {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا}، وهذا بناءٌ على قبر. {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} قال المفسرون: وهم المؤمنون بدليل قوله: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} وهذا اتخاذ مسجد على قبر.
فلما قصَّ الله عزَّ وجلّ هذا في كتابه، ولم يصحبه بما يدل على حظره، دل على جوازه.
بل إذا لاحظنا أن القَصَص الوارد في القرآن لم يرد لمجرَّد حكاية وقائع تاريخية، وإنما هو للاعتبار والإرشاد والموعظة= تبين لنا دلالة الآية على الاستحباب، وأن الله عزَّ وجلّ أرشدنا بهذه الآية إلى ما ينبغي أن نعمله إذا مات فينا رجل صالح، أي: أننا على الأقل نبني على قبره بنيانًا، والأكمل أن نتخذ عليه مسجدًا.
* * * *
(١) يعني على مذهب من يرى جواز البناء على القبور، وسيردّ المصنف على تقريرهم هذا بالتفصيل.