فأولد سعيد إسماعيل والعاقب، وكان ابنه إسماعيل رئيساً. ولهم باليمن بقية وهم السعيديون ببيت زوج من ظاهر همدان، وقد أولد آل سعيد مقاول حمير. قال في ذلك حارثة بن بدر الغداني من بني تميم:
الله يجزي سعيداً خير نافلة ... عني سعيد بن قيس رب همدانا
أنقذتني من شقا دهماء مظلمة ... لولا شفاعته ألبست أكفانا
قالت تميم عليّ لا نخاطبه ... وقد أبت ذلكم قيس بن عيلانا
فساغ في الحلق ريق كنت أجرضه ... لولاه كنت به ما عشت غصّانا
لكن تداركني محضٌ شمائله ... آباؤه حين ينمي خير قحطانا
نماه قيس وزيد والفتى مرب ... وذو الخبائر من أولاد غيمانا
وذو رعين وشمرٌ وابن ذي يزن ... وعلقم قبلهم أعني ابن قيفانا
وكان سبب مديح حارثة بن بدر لسعيد بن قيس، أن حارثة بن بدر الغداني وكان من وجوه تميم البصرة أفسد في الأرض أيام علي عليه السلام وحارب، فطلبه علي فتخفى، فنذر دمه لمن ظفر به، فكلم الحارثة الحسن بن علي عليه السلام وعبد الله بن جعفر وابن عباس يكلمون له علياً عليه السلام، فسألوه أن يؤمنه فأبى ولم يؤمنه، فأتى سعيداً بن قيس فكلمه، فانطلق إلى علي عليه السلام وخلفه في منزله فقال: يا أمير المؤمنين كيف تقول فيمن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً؟ فقرأ " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ... " الآية. فقال سعيد: أفرأيت من تاب من قبل أن تقدر عليه؟ قال علي: أقول كما قال الله تعالى: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " ونقبل منه قال: فإنه حارثة بن بدر الغداني قد تاب من قبل أن تقدر عليه. فآمنه، وبعث إليه سعيد فأدخله على عليّ عليه السلام، وكتب له كتاباً:
[بسم الله الرحمن الرحيم]
هذا كتاب من عبد الله عليّ أمير المؤمنين لحارثة بن بدر. إنه كان حارب الله ورسوله، فتاب قبل أن يُقدَر عليه فمن لقيه من المسلمين فلا يعرض له إلا بخير، إلا أن يحدث حدثاً فيؤخذ به.
فقال حارثة بن بدر وقد خرج سعيد بن قيس يشيعه عند لحاقه بالبصرة في جماعة من همدان إلى نهر بالقرب من الكوفة:
لقد سروت غداة النهر إذ طلعت ... أشياخ همدان فيها المجد والخير
يقودهم ملك جزل مواهبه ... وارى الزناد طويل الباع مذكور
ولا يلين إذا ما سيم منقصة ... لكن له عندها عصب وتذكير
أغرّ أبلج يستسقى الغمام به ... حباؤه ظاهر في الناس مشهور
وقال حارثة أيضاً:
ألا أبلغن همدان إمّا لقيتها ... سلامي ولا يسلم عدوّ يعيبها
لعمر تميم إن همدان تتقي ... معاداً ويقضي بالكتاب خطيبها
إذا اقتسم الأقوام علماً وسؤدداً ... فخير نصيب عند ذاك نصيبها
وقال حارثة أيضاً:
جلا كربتي عني سعيد وربما ... رجوت ابن عباس لها وابن جعفر
وجدت أخا همدان ألين جانباً ... وأقول بالمعروف في كل محضر
سليل ملوك في الزمان أعزّة ... لهم جوهر يعلو على كل جوهر
سأشكر ما أوليتني ومننته ... عليّ بفضل منك ليس بمنكر
فلما بلغت عبد الله بن جعفر قال: نحن كنا أحقّ بهذا الشعر من همدان. وكانت هالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف الزهري تحت سعيد بن قيس، وفيه تقول أخت عمرو بن الحصين السكوني وكان قتله سعيد بن قيس يوم صفين دون عليّ:
ألا إنما تبكي العيون التي ترى ... مصيبة عمرو والدموع سجوم
أراد علياً بالتي لا شوى لها ... فأثبته عبل الذراع شتيم
سعيد بن قيس خير همدان واحداً ... له حادث في قومه وقديم
فقل لسعيد والحوادث جمة ... جزتك الجوازي والمليم مليم
وفي سعيد بن قيس وجدّه زيد بن مرب يقول آخر وخاطب ناساً:
لو كنت من يمن في عز أولها ... كنت المهيمن من زود ومن سدد
أو من بني حاشد في حفّ محتدها ... زيد بن ذي مرب الجود والعدد