للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وانطلاقًا من هذا الأصل، وتأسيسًا عليه، لم ينظر سلف هذه الأمة وفقهاؤها إلى النصوص الشرعية، بما تنطوي عليه من أحكام، نظرة جمود على مقتضياتها اللغوية الظاهرة مجرّدة عما يكمن فيها، أو يقف وراءها، من معان مخبوءة، ومقاصدَ مُستبْطَنة. وإنما نظروا إليها - ما وسعهم الجهد - نظر المتدبِّر المستشرف إلى ما هو فوق أرضِ حرفيّةِ تلك النصوص، من أُفق المعاني المكتظّ بالدوافع والبواعث والعلل والحِكَم والمصالح المستهدَفة من تشريع الأحكام التي اشتملت عليها تلك النصوص. حتى وإن أدى بهم هذا النظر - أحيانًا كثيرة - إلى الخروج عن حرفية النص وظاهره بتخصيص عامّه، أو تقييد مُطلقه، أو إبطال مفهومه المخالف، أو صرفه من الحقيقة إلى المجاز. كلُّ ذلك سعيًا وراء البحث الدقيق عن مراد الشارع ومقصوده - على التمام - من النصوص المقرِّرة للأحكام.

و «أثر تعليل النص على دلالته» باعتباره عنوان وموضوع هذه الرسالة يخوض هذا المخاض؛ إذ إنه ليس إلا محاولة من الباحث:

أولًا: للبرهنة على شرعية دور العلة - وهي ما لأجله شُرع الحكم - في توجيه النص الشرعي وتأويله وتبيين المراد منه.

وثانيًا: لوضع ميزان دقيق يمكن من خلاله التوفيق أو الترجيح بين ما تقتضيه علّة النصّ من جهة، وبين ما يقتضيه ظاهر النصّ نفسِه من جهة أخرى، للخروج بعد ذلك بحكم شرعي صحيح.

وثالثًا: لبيان حقيقة مسألة «أثر تعليل النص على دلالته» وواقعها عند الأصوليين، قديما وحديثا، وعرض أقوالهم فيها، وأدلتهم على هذه الأقوال ومناقشة ذلك كله.

<<  <   >  >>