وبعد: فهذه هي نهاية ما أردت بيانه بشأن «أثر تعليل النص على دلالته». وقد تمخّض هذا البحث - في أبرز ما تمخّض عنه - عمّا يلي:
أولًا: العلة المستنبطة من نص ما تقوم بدور القرينة الموضِّحة للمراد من هذا النص؛ ولذلك فهي تملك - بشروطٍ قُرِّرت - صرف النص عن ظاهره إلى معناه المؤول.
ثانيًا: دليل ما سبق في النقطة الأولى وجود «تأثير تعليل النص على دلالته» في اجتهادات الصحابة رضوان اللَّه عليهم إبّان عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده.
ثالثًا: قول الأصوليين بأنه لا يجوز للعلة أن تعود على أصلها بالإبطال كلام مجملٌ، لا بدّ له من تفصيل، وهو: أنه لا يجوز للعلة أن تعود على أصلها بإبطال دلالته القطعية فحسب، أما دلالته الظنية فهي معرّضة لتأثير العلة.
رابعًا: الأئمة الأربعة وغيرهم يقولون بشكل عام - من خلال تفريعاتهم الفقهية - بجواز عود العلة على أصلها بالتأثير.
ولا بدّ من كلمة أخيرة: وهي أنّ «تأثير تعليل النص على دلالته»، وإن ثبت جوازه ووجوده عند سلف هذه الأمة وفقهائها، فإنه لا ينبغي لكل من هبَّ ودرج - حتى لو شدا شيئًا من علم الشريعة - أن يجتهد بالبناء على هذا الأصل، وذلك لأن العلة في استنباطها وفي التحقُّق من توفر شروطها وانتفاء موانعها وقوادحها أمرٌ في الغاية من الدّقة والخطورة، بحيث لا يُسمح لأي كان بالتجرُّؤ عليه، إلا من كان من أهل المعرفة والاختصاص الذين قضوا - بالإضافة إلى ما حباهم اللَّه إياه من ملكة الاجتهاد - دهرًا طويلًا في دراسة الشريعة أصولًا وفروعًا، حتى أمكنهم الوقوف على مرامي الشريعة ومقاصدها الكلية والجزئية. واللَّه أعلم.