للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثال الثالث: سكنى المطلقة ثلاثًا:

عن فاطمة بنت قيس رضي اللَّه عنها قالت: "طلقني زوجي ثلاثًا فلم يجعلْ لي رسول -صلى الله عليه وسلم- سكنى ولا نفقة" (١)، وفي رواية: "قلت: يا رسول اللَّه زوجي طلقني ثلاثًا وأخاف أن يقتحم علي فأمرها فتحولت" (٢).

الآخذ بظاهر هذا الحديث يحكم - بلا بدّ - بأن المطلقة ثلاثًا لا سكنى لها ولا نفقة بعد الطلاق، وليس بضائر هذا الأخذ أن حديث فاطمة واقعة عين لأنهم أجمعوا على أن قضاء النبي -صلى الله عليه وسلم- على شخصٍ أو عين يأخذ حكم العموم شرعًا من حيث شموله كافة المكلفين في كافة الأزمان. قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه اللَّه: «إذا حكم -صلى الله عليه وسلم- في حادثة بين نفسين كان واجبًا على كل أحد أن يُحكم عليه بمثل تلك الحادثة وهذا لا أعلم فيه خلافًا» (٣).

إذن، فالظاهر العموم إلا أن يرد دليل على التخصيص، وهو في هذه الواقعة لم يرد صراحة، إلا أن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها خصصت هذا العموم بالتعليل، إذ قد روى البخاري عن عروة بن الزبير أنه قال لعائشة: "ألم تري إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت. فقالت: بئسما صَنَعتْ. فقال: ألم تسمعي إلى قول فاطمة؟ فقالت: أما إنه لا خير لها في ذلك" وزاد بعضهم: "عابت عائشة ذلك أشدّ العيب، وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش فخِيفَ على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-" (٤).


(١) مسلم، الصحيح، حديث رقم (٣٧٠٠).
(٢) مسلم، الصحيح، حديث رقم (٣٧٠٢).
(٣) نقله عنه الزركشي، البحر المحيط، ج ٣، ص ١٩٠.
(٤) البخاري، الصحيح، حديث رقم (٥٣٢٦).

<<  <   >  >>