للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثالث

ثبوت الحكم هل هو بالعلة أو النص؟

سبق القول فيما مضى بأن الذي تقتضيه العلة، وكذلك النص، هو الحكم.

وعليه، فهل يُضاف الحكم في ثبوته إلى العلة أم إلى النص أم إليهما معًا؟

فعلى سبيل المثال هل ثبت حكم التحريم للخمر بالنص وهو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠]؟ أو أنه ثبت بالعلة وهي الإسكار المؤدي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين الناس والصدّ عن ذكر اللَّه وعن الصلاة؟ أم أنه ثبت بالعلة والنص جميعًا؟

قد شجر الخلاف بين الأصوليين في ذلك، فذهب معظم الحنفية إلى أن الحكم يثبت في محل الأصل بالنص أما في محل الفرع فيثبت بالعلة، وذهب معظم الشافعية إلى أنه يثبت في محل الأصل والفرع - على حد سواء - بالعلة، وقال قائلون بأن الحكم يثبت في محله بالعلة والنص جميعًا (١).

والخطب في هذه المسألة - وإن كثر فيها الجدل - سهل يسير، وذلك لأن خلاف الأصوليين فيها إنما يدور على العبارة لا أكثر (٢) وبيان ذلك: أن من قال: إن الحكم في محل الأصل يثبت بالنص فمراده أن النص هو الذي كشف عن هذا الحكم وعرف به ولولاه لما أمكن الوقوف عليه.


(١) سيأتي تفصيل الأقوال في المسألة وعزوها إلى أصحابها بعد أوراق.
(٢) ولطالما كانت الألفاظ مثارًا للخلاف، قال الغزالي رحمه اللَّه: «معظم الأغاليط والاشتباهات ثارت من الشغف بإطلاق ألفاظ دون الوقوف على مداركها ومآخذها» وقال: «إنما منشأ الإشكال التخاوض في الأمور دون التوافق على حدود معلومة لمقاصد العبارات فيطلق المطلق عبارة على معنى يقصده، والخصم يفهم منه معنى آخر يستبد هو بالتعبير عنه فيصير به النزاع ناشبًا قائمًا لا ينفصل أبد الدهر». الغزالي، شفاء الغليل، ص ٤٢٠، ٥٨٨.

<<  <   >  >>