للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أستاذنا الدريني معلقًا على كلام ابن المسيب، رحمه اللَّه: «فهذا - كما ترى - ادخار للتوسعة وهو رفق وإحسان لا استغلال فيه ولا إضرار، فلم يتحقق فيه مناط الاحتكار المحرم المنظور إليه من حيث أثره ومآله. وهو وإن اتفق مع الاحتكار صورة لكنه على النقيض منه أثرًا ومآلًا والعبرة بالمآل، لأن التصرفات محكومة شرعًا بنتائجها» (١).

[المثال التاسع: مسافة القصر]

جاء القرآن مرخِّصا بقصر الصلاة وبالفطر في الصيام للمسافر، فقال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء: ١٠١].

وسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قصر الصلاة في السفر فقال: "صدقة تصدق اللَّه بها عليكم" (٢).

وقال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥].

ولم يأتِ - كما هو مُلاحظ - عن الشارع الحكيم تحديد للمسافة التي يجوز لقاصدها أن يقصر أو يفطر، وإنما جاءت الأدلة في ذلك مطلقة.

لكنَّ ابن عباس -رضي الله عنه- وغيره من السلف لم يعملوا بهذا الإطلاق فلم يجيزوا القصر والفطر في مطلق السفر كما هو ظاهر النص، وإنما حددوا ذلك بمسافات معينة.


(١) محمد فتحي الدريني، بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط ١، ١٩٩٤ م، ج ١، ص ٤٧٩ بتصرف.
(٢) مسلم، الصحيح، حديث رقم (١٥٧١).

<<  <   >  >>