للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقول بأن اجتهاد الصحابة الذين صلوا في الطريق كان اعتمادًا على العام المتقدم ما هو إلا تشبيه لاجتهادهم هذا باجتهاد هذا الغلام.

وفي هذا من التسفيه والتجهيل لهم - رضوان اللَّه عليهم بأبسط قواعد الاجتهاد ـ بل التفكير المنطقي ـ ما فيه؟ فحاشاهم إياه.

نعم، لا يمكن إنكار أن الصحابة نظروا إلى العام المتقدم الآمر بأداء الصلاة على وقتها، لكنّ هذا لم يكن إلا بعد أن صرفوا النهي الخاص المتأخر عن ظاهره بالتعليل، وهذا هو المقصود من إيراد هذا الحديث، وذلك بين لائح - لو تأمّل ابن حزم - من قولهم في دفع النهي المتأخر «لم يرد منا ذلك» واللَّه أعلم.

[المثال الثاني: حديث الفطر في السفر]

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "سافرنا مع رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة ونحن صيام، فنزلنا منزلًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" قال أبو سعيد: "فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر، فنزلنا منزلًا فقال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: إنكم مصبّحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" قال أبو سعيد: "فكانت عزمة فأفطروا، ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك في السفر" (١).

وجه «تأثير تعليل النص على دلالته» في هذه الواقعة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه بالفطر وذلك في قوله: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" ولم يفهم الصحابة رضوان اللَّه عليهم من هذا الأمر أنه يدل على وجوب الفطر أو حتى ندبيته كما هو الظاهر من الأوامر في العادة بل


(١) مسلم، الصحيح، حديث رقم (٢٦١٩).

<<  <   >  >>