للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على مثل هذا الوصال فأحرى به أن يأخذ بالرخصة فإن ذلك أفضل له كما سبق أن قرره الشاطبي رحمه اللَّه.

[المثال الرابع: حديث الأمر بالتحلل بعد صلح الحديبية]

عن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- في قصة صلح الحديبية قال: "فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا قال: فواللَّه ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي اللَّه أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا .... الحديث" (١).

ووجه تأثير «تعليل النص على دلالته» في هذه الواقعة أن الصحابة رضوان اللَّه عليهم لم يمتثلوا الأمر، فاحتمل ذلك سببين:

أحدهما: أن يكون عدم امتثالهم عصيانا ومعاندة حاشاهم من ذلك مع ما عرفوا به من سرعة الامتثال وحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته.

والثاني: أن يكون قد حصل لهم اجتهاد في مورد الأمر بحيث لم يحملوه على ظاهره وإنما حملوه على الترخيص والتيسير وأن العزيمة هي الاستمرار على الإحرام، وترجح لديهم هذا التعليل بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث استمر على إحرامه ولم يتحلل.

وعلى ذلك فحالهم هاهنا كما هي عندما نهاهم عن الوصال حيث ترجح لديهم أن الوصال عزيمة بسبب وصال النبي -صلى الله عليه وسلم-.


(١) البخاري، الصحيح، حديث رقم (٢٧٣٢).

<<  <   >  >>