للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث

مسائل فقهية - في كتب الأصول - تضمّنت «تأثيرًا لتعليل النص على دلالته»

ما من شك في أن التأليف الأصولي خضع بشكل أو بآخر للمذهبية الفقهية، وعلى الرغم من أن إمام الحرمين ذكر أنه من «حق الأصولي ألا يلتفت إلى مذاهب أصحاب الفروع ولا يلتزم مذهبًا مخصوصًا في المسائل المظنونة الشرعية» (١) إلا أن أكثر الأصوليين - وحتى إمام الحرمين نفسه (٢) - تأثروا برياح المذهبية ممّا جعل غالب أبحاثهم الأصولية تأخذ شكل الجدال والنقاش والمناظرة أكثر من أخذها شكل العرض والتبسيط والتوضيح.

و «تأثير تعليل النص على دلالته» باعتبارها قضية أصولية ذات أبعاد فقهية شتى خضعت لهذا الأصل فتأثّرت بلفحات المذهبية والتقليد حتى اضطر الغزالي - وهو بصدد الخروج عن تقليد من قبلَه من أصوليي الشافعية في هذه القضية - إلى القول بأن: «الكلمات التي تداولتها الألسنة لا سبيل إلى تقليدها دون البحث عن مداركها وأدلتها وإنما اتباع صورها دأب العجزة الذين قعدت بهم البلادة عن الارتقاء إلى بقاع المعاني المعقولة بالرأي الصائب والذوق السليم، فلازموا - بحكم القصور والعجز - حضيض التقليد وركنوا إلى ما تداولته الألسنة من غير خوض على خفيات أسرارها وتشوف إلى العثور على أغوارها وهذا مزلة قدم لا بد من الاتئاد فيه» (٣).


(١) إمام الحرمين، البرهان، ج ١، ص ٥٣٤.
(٢) ويظهر ذلك أكثر ما يكون في كتابه: مغيث الخلق في ترجيح القول الحق.
(٣) الغزالي، شفاء الغليل، ص ٨٠، ٨١.

<<  <   >  >>