للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صريحًا في الدلالة على التوقيف فيجري مجرى التوقيف المنقول إذ لا فرق بين أن يَنقُل إلينا الصحابة بألفاظهم توقيفه وبين أن يعرّفونا بأفعالهم» (١).

فإذا تقرر ما سبق وبانت لنا المكانة التي تمتعت بها أقوال الصحابة واجتهاداتهم عند كل من الفقهاء والأصوليين فإنه يمكن القول بأن ما سيتم إيراده فيما يلي من أمثلة على اجتهادات الصحابة رضوان اللَّه عليهم تضمنت تأثيرًا لتعليل النص على دلالته يُعدُّ أساسًا آخر، غير الذي سبق، للقول بتأثير تعليل النص على دلالته.

[المثال الأول: حكم إعطاء المؤلفة قلوبهم من الصدقات]

قضى اللَّه عز وجل في كتابه بإعطاء المؤلفة قلوبهم من الصدقات فقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ٦٠]، وعلى إعطائهم جرت سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (٢).

ومن ثم اشتهر عن عمر -رضي الله عنه- قطعُ هذا العطاء عنهم (٣). ووجه ذلك - كما يراه المحققون - أنه رأى أن إعطاء المؤلفة قلوبهم زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قائمًا على علة، وهي دفع أذيتهم عن المسلمين والاستعانة بهم على غيرهم ونحو ذلك، فلما أغنى اللَّه عنهم حين قويت شوكة الإسلام واشتدّ ساعد المسلمين انتفت العلة الباعثة على إعطائهم فمنع هذا العطاء (٤).


(١) الغزالي، أساس القياس، ص ٥٨، ٥٩.
(٢) انظر: أبو بكر الجصاص، أحكام القرآن. دار إحياء التراث العربي، ج ٤، ص ٣٢٥. وابن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار المعارف، مصر، ج ١٤، ص ٣١٥، وجلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ط ١، دار الفكر، بيروت، ١٤٠٣ هـ‍، ج ٤، ص ٢٢٣ - ٢٢٤.
(٣) المراجع السابقة.
(٤) انظر: عبد العلي: فواتح الرحموت ج ٢، ص ٨٤، وابن الهمام، شرح فتح القدير ج ٢، ص ٢٦٠، وشلبي، تعليل الأحكام، ص ٣٨.

<<  <   >  >>