للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البخاري رحمه اللَّه: كان ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم- يقصران ويفطران في أربعة بُرُد وهي ستة عشر فرسخًا (١).

وعن عطاء قال: سألت ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أقصر الصلاة إلى عرفة؟ قال: لا، قلت: إلى منى؟ قال: لا، ولكن إلى جدّة وإلى عسفان وإلى الطائف، فإن قدمت على أهل لك أو ماشية فأتمّ الصلاة (٢).

وعلى هذا النهج جرى جمهور الفقهاء من بعد فلم يروا جواز القصر أو الفطر في مطلق السفر وإنما حدّدوا ذلك بمسافات معينة (٣).

والباحث عن مستند أصولي لهذا التحديد الوارد عن السلف يجده ظاهرًا في البناء على علة النصوص الواردة بمشروعية القصر والفطر، إذا أن رفع المشقة - وهي علة مشروعية القصر والفطر - لا تتحقق في مطلق السفر، وإنما في أسفار خاصّة يختلف تقديرها بحسب الزمان والمكان، فبتقييد مطلق النص بهذه العلة تم هذا التحديد، والخلاف الوارد عن السلف في هذا التحديد إنما نشأ - في رأيي - عن الاختلاف في «تحقيق مناط» المشقة. إذ قد يرى البعض أن مسافة ما تحتمل المشقة ويرى البعض الآخر بأنها لا تحتمل وهكذا … واللَّه أعلم.

[المثال العاشر: حديث تحريم لحوم الحمر]

عن ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "أصابتنا مجاعةٌ يوم خيبر، فإن القدور لتغلي - قال: وبعضها نضجت - فجاء منادي النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئًا


(١) البخاري، الصحيح، ج ٢، ص ٦٥٩، والفرسخ مسافة تقارب خمسة كيلومترات. انظر: المعجم الوسيط، ج ٢، ص ٧٠٧ وص ٩٣٠.
(٢) عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، ط ١، من منشورات المجلس العلمي، ج ٢، ص ٥٢٤، وإسناده صحيح.
(٣) انظر: ابن رشد، بداية المجتهد، ج ١، ص ١٢١.

<<  <   >  >>